نيكول طعمة
تواسي المتألمين، وتجدّد الأمل في القلوب الباكية، وتنير الدرب نحو مستقبل واعد، حيث تتغلّب الإنسانيّة على قسوة الأيّام. تفيض رسالتها بالعطاء اللامحدود في محاولةٍ منها لتضميد جراح الوطن والمجتمع.
عام 1985، انطلقت جمعيّة «فرح العطاء» لتكون صرخةً إنسانيّة واجتماعيّة تحمل في طيّاتها رسالة محبّة وأمل، مستجيبةً لنداء الواجب تجاه المحتاجين والمهمّشين في مجتمع تمزّقه الأزمات والحروب. برز دورها جليًّا في الاستجابة السريعة والفعّالة للتحدّيات الإنسانيّة بهدف دعم المتضرّرين وتقديم المساعدات الميدانيّة في الأوقات الصعبة وتوالي الأزمات والحروب.
«فرح العطاء» في الميدان
في ظل الحرب العدوانيّة المتواصلة على لبنان، وقفت «فرح العطاء» كعادتها في الصفوف الأماميّة كي تتصدّى للأزمة الإنسانيّة الناجمة عن النزوح الواسع للأسر المتضرّرة.
كيف تتجاوب «فرح العطاء» ميدانيًّا مع نداءات هذا الواقع المرير؟ وما مبادراتها لتخفيف معاناة النازحين الهاربين من ديارهم؟
في حديثٍ خاص مقتضب إلى «قلم غار»، أكد مؤسس «فرح العطاء» النائب ملحم خلف أنّ إنجازات الجمعيّة تكمن في ثقة الناس بها واستمراريّة خدمتها المجّانيّة ووقوفها إلى جانب الضعفاء، مشيرًا إلى أنّه لم يعد منخرطًا في نشاطاتها منذ انتخابه نائبًا.
إلى ذلك، شاركت منسّقة المتطوّعين في «فرح العطاء» سينتيا سليمان موقعنا خبرتها، قائلة: «انضممتُ إلى الجمعيّة بعد حرب تمّوز عام 2006 كمتطوّعة. بعد 18 عامًا من العمل المتواصل مع الشباب المتطوّعين على الأرض، لمست المعنى الحقيقي للحياة من خلال الخدمة. كما أعتبر أنّ رسالة الجمعيّة وخدمة الناس المحتاجة من أولويّاتي».
الإيواء والدعم المُلِحّ
للإضاءة على أبرز خطوات «فرح العطاء» تجاه النازحين، شرحت سليمان: «في 23 أيلول الفائت إلى يومنا الحالي، يواجه لبنان هجومًا عسكريًّا غير مسبوق من الجيش الإسرائيلي، حيث تركّزت الهجمات العنيفة في الجنوب وضواحي بيروت. نتيجة ذلك، أُرْغِمَ أكثر من مليون شخص على الفرار من قراهم ومنازلهم، هربًا من القصف وبحثًا عن الأمان. مع استمرار تأزّم الوضع في لبنان، تكرّس “فرح العطاء” جهودها لتقديم الدعم الأساسي والمُلحّ للمتضرّرين من الأزمة الحاليّة».
وأضافت: «لعبت الجمعيّة دورًا محوريًّا في تأمين المأوى الموقّت للعائلات النازحة. فتمثّلت أولى خطواتها في استقبال النازحين في مراكزها الثلاثة: مركز كليمنصو (1000 نازح)، ومركز كفيفان (120 نازحًا)، ومركز معاد (100 نازح). في هذه المراكز، نسعى جاهدين إلى مساعدة ضيوفنا على العيش بكرامة من خلال توفير أماكن إقامة آمنة وتقديم ثلاث وجبات غذائيّة يوميًّا. ونعلن أنّ مركزنا الجديد في منطقة مار مخايل يعمل حاليًّا بكامل طاقته بفضل الدعم المستمرّ من نحو 85 متطوّعًا مؤمنًا برسالة الجمعيّة».
أعربت سليمان عن تأثّرها بـ«أنّ عددًا لا يُستهان به من الشباب المتطوّعين على الأرض هم نازحون ومتضرّرون بشكل مباشر جراء الحرب»، مضيفة: «هذا بالفعل يجسّد معنى العطاء، وعهدٌ بالمضي قُدُمًا في تخفيف المعاناة وتحقيق التضامن الإنساني بأسمى معانيه».
إعادة بناء الحياة
في جانب آخر من الأعمال الميدانيّة، يوفّر مركز «فرح العطاء» خدمات أساسيّة بما في ذلك مركز اتصال ومطبخ صحّي.
في سياق متصل، أوضحت سليمان أنّ «مركز الاتصال هو عبارة عن غرفة عمليّات يديرها فريق جاهز من المتطوّعين يتلقّون طلبات عاجلة من الأفراد الذين يحتاجون إلى الأساسيّات، مثل الطعام وأطقم الصحّة والفرش. نحرص على تقديم هذه الخدمات الحيويّة في الوقت المناسب لأولئك الذين في أمسّ الحاجة إليها».
أمّا عن المطبخ الصحّي، فقالت سليمان: «نقوم من خلال المطبخ الصناعي بإعداد ألف وجبة وبتوزيعها يوميًّا لدعم النازحين في مراكزنا المختلفة، ما يضمن أن لا يبقى أحد جائعًا».
على الرغم من أنّ جمعيّة «فرح العطاء» استطاعت على مدار أكثر من أسبوعين وفق إمكانيّاتها المتواضعة مساندة عدد محدود من النازحين، «إلا أنّها ستبقى ملتزمة ببذل كل جهدها لمساعدة المحتاجين في هذه الأوقات الصعبة. نحن نؤمن بأننا نُدْخِل الأمل والدعم إلى مجتمعنا ونساهم في إعادة بناء الحياة معًا من خلال قوّة التضامن الاجتماعي»، بحسب ما أكدت سليمان في ختام حديثها إلى «قلم غار».
في كل مرّة، تثبت جمعيّة «فرح العطاء» التزامها العميق بالدعم والمؤازرة في أصعب اللحظات، معزّزةً قيم التضامن والتكاتف والإنسانيّة في مواجهة المآسي.
كما تسعى لتكون صورة مشرقة تعكس الأمل في بناء مستقبل أفضل، حيث تتضافر جهود الجميع لمواجهة الأزمات والتغلّب على المحن بروح التضامن والمحبّة، وتبقى مثالًا يُحتذى به في السعي نحو بناء مجتمع متكاتف يُداوي جراحه بنفسه.