غيتا مارون
أسطورة في الفنّ اللبناني، ورمز من رموز الكوميديا الشعبيّة. طبع بصمته الفنّية على مدى أكثر من سبعين عامًا من العطاء المتواصل. من بداياته المتواضعة في الخمسينيّات إلى بلوغه القمّة، استطاع أن يحفر اسمه في قلوب الملايين بأسلوبه البسيط والعميق الجامع بين الفكاهة الراقية والحكمة الحياتيّة.
هو أحد أعمدة الفنّ اللبناني الأصيل؛ فنّانٌ متعدّد المواهب أضاء شاشات التلفزيون والمسرح برؤيته الكوميديّة الفريدة وأدائه المميّز، فجذب الجمهور بإحساسه وبراعته في نقل واقع الناس.
بقلبٍ نابض بإيمان لا يتزعزع برسالته، نجح في تأليف فرقة حملت اسمه قدّمت للجمهور شخصيّات أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعيّة اللبنانيّة. شكّلت أعماله مرآة تعكس قضايا المجتمع، تنقلها بحبٍّ وصدقٍ وإبداع، فأضحك الناس وهم يكتشفون في طيّات ضحكاتهم دروس الحياة.
تميّز بصفات نادرة إذ جمع بين التواضع والإخلاص لزملائه وبين الحزم والرؤية الثاقبة في إدارة فرقة «النفير» التي أصبحت مدرسة للكوميديا. لم يكن مجرّد فنّان بل كان مرشدًا وناصحًا وقائدًا لمجموعة من المحترفين الذين آمنوا برسالة الفنّ كتعبير عن الذات والمجتمع.
على مدار عقود، ظلّ قريبًا من الناس، ينقل همومهم وأفراحهم بإحساسٍ صادق، ما جعله محبوبًا ليس كفنّانٍ فحسب، بل كإنسان يحمل في قلبه رسالة سامية لكل من عرفه.
إنجازاته تتجاوز خشبة المسرح وشاشة التلفزيون؛ فهو منارة للفنّ اللبناني، وشخصيّة استثنائيّة ساهمت في نقل التراث الثقافي من جيل إلى آخر، وآمنت بأنّ الفنّ هو لغة الحياة، وبأنّ الله يقف دومًا إلى جانب من يعمل بروح طيّبة وقلب مخلص.
إنّه فخر الكوميديا اللبنانيّة وعميد الفنّانين اللبنانيين صلاح تيزاني، المعروف بكنيته المحبّبة «أبو سليم»، الذي يخبر «قلم غار» عن تجلّي حضور الله في حياته والتحدّيات في مسيرته.
السير بحسب إرادة الربّ
يؤكد تيزاني أنّ الربّ هو دومًا إلى جانب الإنسان الذي يعمل بضمير وإحساس وأخلاق رفيعة، موضحًا: «من يعمل بدون فرح وإخلاص وثقة لا يستطيع أن يستمرّ في عمله، سواء أكان تاجرًا أم عاملًا أم فنّانًا أم حاكمًا».
تيزاني يقول إنّ طريق الفنّ لم تكن سهلة، فقد واجه صعوبات جمّة، مضيفًا: «من رغب آنذاك في إنجاز أعمال فنّية ضخمة، وجب عليه أن يتمتّع بإمكانيّات عدّة: مادّية وفنّية وثقافيّة».
ويعزو قسمًا كبيرًا من هذه العقبات إلى من تولّوا إدارة التلفزيون في بداياته إذ أرادوا تنفيذ أعمال فنّية من دون دفع أجور عادلة للفنّانين، معتبرين أنّه يمكنهم تقديم العمل بأقلّ التكاليف، فلم يعرفوا القيمة الحقيقيّة للفنّ.
تيزاني يروي كيف ساهم مع زملائه في خلق نوعٍ مختلف من التمثيل في لبنان، قائلًا: «نحن خلقنا نوعًا جديدًا من التمثيل، وغيرنا أبدع في الغناء والمسرح والسينما. الإمكانيّات المادّية المُتاحة في ذلك الوقت ساعدت الفنّانين، لكن المنتجين لم يقدّموا الدعم الكافي، فعانينا كثيرًا من أجل تحقيق الإنتاجات الفنّية التي طمحنا إلى تنفيذها».
عن دور الله في المصاعب، يقول تيزاني: «الربّ يقف إلى جانب كل إنسان، فهو خالقه والمسؤول عنه، وقد أرشده إلى الطريق التي يجب أن يسلكها. إذا سار الإنسان بحسب مشيئة الله، يحقّق مبتغاه وإرادة الربّ في حياته. أمّا إذا لم يمشِ وفقًا لها، فسيتعسّر».
ويضيف: «الربّ أعطى كل واحد منّا السلام والأمان والحبّ. الشيطان موجود، وهدفه أن يدفع الإنسان إلى عدم محبّة الله والقيام بأعمالٍ شريرة. لذا، على الإنسان أن يختار بين ما يطلبه منه الربّ وبين الشياطين والناس الذين لا يتمتّعون بالأخلاق والشرف. أؤمن بأنّ الله موجود إلى جانب من يختاره ويسمع كلامه».
قوّة إلهيّة عظيمة
إلى ذلك، يعبّر تيزاني عن حبّه للقب «أبو سليم»، على الرغم من أنّ ابنه البكر يُدعى «آمن»، مشيرًا إلى أنّ الناس يعرفون كنيته الفنّية وبعضهم يجهل أنّ اسمه الحقيقي هو صلاح تيزاني. ويعرب عن سعادته العارمة حين تناديه زوجته بـ«أبي آمن».
عندما يتحدّث تيزاني عن مسيرته الفنّية الزاخرة بالمسلسلات والمسرحيّات والأفلام، يختصرها بالقول إنّه وزملاءه تعذّبوا كثيرًا ليقدّموا فنًّا يُفرِح الناس على مدى سنين طويلة. لكنه يعبّر عن امتنانه للقوّة العظيمة التي منحها إيّاهم الله، وهي تتمثّل في بقائهم موحّدين في حين أنّ كثيرين من الفنّانين الآخرين افترقوا بسبب الخلافات. ويوضح أنّه حرص على عدم السماح لأيّ خلاف بأن يفصل بينهم، فكان يعطي لكل عضو في الفرقة دور البطولة بشكل دوري.
مسيرة فنّية مجبولة بالآلام
يروي تيزاني كيف تشكّلت نواة فرقة «النفير» التي أسّسها حين كان ملتزمًا في الكشاف، حيث جمع من يحبّون الغناء والشعر والتمثيل، وبدأوا ينظّمون حفلات في طرابلس والقرى المجاورة، مضيفًا: «في البداية، التحق بالفرقة الكبار سمير شمص وعلي دياب وماجد أفيوني وغيرهم. بعد انطلاقة التلفزيون، انضمّ إليها فهمان وشكري. لكن الأجور المتدنّية دفعت ببعض الأعضاء إلى ترك الفرقة. من ثمّ، انضمّ إليها مشكاح وأبو نصرا وسعديّة وفريال كريم. تألّفت الفرقة في بداياتها من كوستي وأمين وجميل وأسعد وسمير ورياض وسعيد إلا أنّهم لم يستمرّوا جميعًا. اليوم، تضمّ الفرقة شكري والزغلول وأنا».
لا يخفي تيزاني حزنه على زملائه الذين توفّوا من دون أن يأخذوا حقّهم في الفنّ، مشيرًا إلى أنّ الأجور كانت بخسة في بداياتهم، وأنّ نقابة الممثلين لم تكن تملك إمكانيّات كافية لدعمهم، مردفًا: «دفنّا بعضهم على حساب البلديّة أو جمعنا المال من بعضنا لدفن البعض الآخر».
ويستطرد: «حاليًّا، بات لدينا صندوق تعاضد لكنه ما زال في بداياته، والفنّانون يحتالون عليه. إذا جاء فنّانٌ أجنبي، يأخذون ضريبة منه. يحصل الفنّانون على مبالغ ضخمة من حفلاتهم غير أنّهم يصرّحون بالقليل، ويبرزون اتفاقًا مزوّرًا للصندوق».
ويحمّل تيزاني الدولة وزر سرقة الشعب، ويعتبر المواطنين مسؤولين عن هدر حقوقهم لأنّهم لا يطالبون بها ولا يكترثون لها.
ويتابع: «لو كان في لبنان سياسيّون صالحون، لكان البلد بخير. الله يرحم الشعب من خلال وجود المغتربين الذين يساندون أهلهم. حوالى نصف اللبنانيين مغتربون. حماهم الله وحفظهم لنا!».
إطلاق صرخة عبر «قلم غار»
يطلق تيزاني صرخة من القلب عبر «قلم غار»، قائلًا: «أطلب من الله أن يرسل إلينا قادة طيّبين يخافونه ويرعون شعبهم، ويرحموننا من العذاب، وينتخبون رئيسًا للجمهوريّة، ويشكّلون مجلسًا نيابيًّا يهتم بالشعب وبقضاياه. يجب أن يحكم الشباب والمثقفون البلد.
لبنان لا مثيل له. وهبنا الربّ أروع أرض وأحسن مناخ لكنهم حوّلوا الوطن إلى مزبلة. كان سويسرا الشرق، فصار مزبلة الشرق».
شكرٌ متواصل للربّ
يختم تيزاني مشاركة مسيرته الفنّية والروحيّة عبر «قلم غار» برفع الشكر إلى الله على الحياة الطويلة التي منحه إيّاها، وقد عاشها من دون الحاجة لأحد، وعلى محبّة الناس له، معتبرًا أنّ هذه المحبّة هي دليل على رضا الله عنه.
ويستنتج: «الله يحبّ الجميع، ولا سيّما مَن يعيش بعدلٍ وإنصافٍ وإنسانيّة. مهما كان دين الإنسان، إذا آمن بالله وعمل بوصاياه، يصبح قريبًا منه».