غيتا مارون
طوني صعيب بطلٌ لبناني خطّت الآلام طريقها في حنايا كيانه حين عانقته في ساحات الوغى، فأُصيب بالشلل، لكن روحه لم تُقيّد. مغمورًا بحبّ عائلته، احتمل الأوجاع، وتمسّك بأمل لم ينطفئ حتى لحظاته الأخيرة. في السادسة والعشرين من عمره، تعرّض لإصابة بدّلت مصيره في خلال معركة نهر البارد، إلا أنّ جسده الذي أنهكته الإصابات لم يثنه عن مواصلة العيش بشجاعة وإصرار، مدعومًا بحبّ عائلته وإيمانها الكبير.
حبّ العائلة… الشفاء الحقيقي
عندما أُصيب طوني بالشلل، رفضت عائلته إرساله إلى مركز للعناية الصحّية. قرّرت أن يبقى معها، وأن تشاركه ألمه، وتقدّم له الحبّ والدعم. كل فرد من أفراد الأسرة كان له دور في العناية بطوني؛ من يهتم باحتياجاته نهارًا، ومن يسهر بجانبه ليلًا. أسرته لم تتركه وحده أبدًا؛ العائلة التي فقدت الأمّ في ربيع عمرها أحاطته بحبٍّ يغمره أكثر من أيّ علاجٍ طبّي. لقد جعلت الألم مصدرًا لقوّة استثنائيّة، وحوّلت حياته إلى رحلة من العطاء المستمر، على الرغم من كل الظروف الصعبة.
طوني عاش 18 عامًا مسمّرًا على الصليب بإيمان جبّار وعزّة نفس لا تُقهَر. أفراد عائلته لم يسمحوا للحزن بأن يكسرهم، بل احتضنوا وجعه وحوّلوه إلى مصدر إلهام. عائلته لم تُسلّم للأمر الواقع بل قبلت بمشيئة الله، وآمنت بأنّ حبّها هو العلاج الحقيقي لها.
الشهادة من أجل الوطن
كان طوني جنديًّا مغوارًا في الجيش اللبناني، وقد أُصيب ثلاث مرات في خلال خدمته العسكريّة، لكنه عاد في كل مرة إلى ساحة المعركة ليواصل الدفاع عن وطنه ببسالة لا مثيل لها. أحبّ وطنه بصدق، إلا أنّه رأى فيه وطنًا يتهاوى أمام عينيه… بقي طوني متمسّكًا بالأمل، ورغم خيبة أمله بما حدث للبنان، ظلّ قلبه ينبض حبًّا له حتى لحظات حياته الأخيرة.
القوّة الخفيّة
لم يتوقف طوني عن العطاء. كان أكثر أفراد العائلة إنتاجًا وإبداعًا. نال أوسمة عسكريّة تكريمًا لخدمته، لكن الأوسمة الحقيقيّة تمثّلت في تلك التي وضعها بنفسه على قلب أسرته. رسم بإصبعه، ونظّمت عائلته معرضًا لأعماله الفنّية ليكون طوني بذلك رمزًا للإرادة والإبداع في مواجهة الصعاب.
عاش طوني حياته وهو يناجي مريم العذراء، طالبًا منها الشفاء. علم بأنّ الشلل الذي أصابه لم يكن عقوبة، بل تجربة فُرِضَت عليه ليختبر إيمانه العميق. آمن بأنّ جلجثته رسالة من الله، وبأنّ نهايته ستكون طريقًا للوصول إلى السماء. في أيّامه الأخيرة، ازداد وجع طوني، لكنه ظلّ متصالحًا مع فكرة الموت وجاهزًا لعناقه. لم يخشَ النهاية، بل تقبّلها بشجاعة. في لحظات الوداع، كانت كلماته الأخيرة: «يا عدرا، خذي أمانتك!»… ورحل متسربلًا بالكرامة والسلام.
قصّة خالدة
رحيل طوني خسارة كبيرة ليس لعائلته فحسب، بل لجميع من عرفوا قصّته. حكاية طوني سترويها الأرض التي أحبّها، والأشخاص الذين لمسهم بروحه وإيمانه. سيظل طوني صعيب بطلًا خالدًا في قلوبهم، ودرسًا في الشجاعة والإيمان، ورمزًا للحبّ الذي لا ينكسر أمام الألم.
شهادة طوني ستبقى خالدة وتذكارًا لجميع من يؤمنون بأنّ الإيمان والحبّ هما أقوى من الألم والموت.