غيتا مارون
منذ نعومة أظفارها، أنار الربّ دربها، فسلّمته حياتها ومضت إلى الأمام في مسيرة مشعّة بالمحبّة والسلام.
ابتعدت عن الأضواء لأنها أرادت أن تكون شعاعًا لنور الله، وألا تستغل نوره لتبرز من خلاله.
هي كاتبة ومدرّبة ومرشدة اجتماعيّة ملتزمة بتوجيه الأفراد في رحلتهم نحو التناغم الداخلي واكتشاف الذات. خطّت كلمات أكثر من 200 ترنيمة، بعدما غمست يراعها في ينبوع الحبّ، فأغنت كثيرين، وتوّجها محبّوها ملكة القلوب في أسرتها وجوقة «أغابي» والإعلام المرئي والمسموع.
إنها كلود أبو حيدر التي تشارك «قلم غار» اختبارها المشتعل بنبضات الحبّ الإلهي.
الألوهة التائهة
تخبر كلود عن حضور الله في حياتها، مستشهدةً بقصّة معبّرة، فتقول: «في البدء، كان جميع البشر آلهة لكنهم أساؤوا استخدام هذه الألوهة، فقرّر الله أن يخبّئها في مكان حيث لا يستطيع أحد أن يعثر عليها. جمع أعضاء مجلس الشورى وسألهم رأيهم، فاقترحوا عليه أن يدفنها في باطن الأرض. أجاب: الإنسان ذكي، سينقّب عنها ويجدها. أردفوا: ما رأيك أن نخفيها في قمّة الجبل أو في أعماق البحر؟ فردّ الله عليهم، قائلًا: الإنسان يحبّ الاستكشاف، وسيجد الألوهة يومًا ما في تلك الأمكنة. بعد تفكير مليّ، استنتج الله أن المكان الوحيد الذي لن يبحث فيه الإنسان هو قلبه. وهكذا، بات الأشخاص يلفّون العالم بحثًا عن شيء محفور في أعماقهم».
وتستطرد كلود بعد سرد هذه القصّة، شارحة: «منذ طفولتي، تعلّمتُ الغوص في الأعماق، وعشت الصمت والرجوع إلى الذات في مراحل عدّة من حياتي. أما العلاقة المهمّة التي تربطني بالربّ، فلا كلمات تصفها.
إلهي يمسكني ولا أستطيع الإفلات منه. بحثتُ في أعماقي، ووجدتُ أننا نستطيع استكشاف كل الأمور داخلنا، ولا سيّما هذه الألوهة المحجوبة عن النظر».
الربّ يغني حياتي
تخبر كلود عن عمل الربّ في حياتها بقلب مفعم بالامتنان، فتقول: «ألمس حضور الربّ دائمًا. أنا مصرّة أن أظل متمسّكة به لأن حياتي معه أكثر جمالًا وسلامًا وعمقًا ورقيًّا. وجود الربّ يغني حياتي».
وتتابع: «أمرّ بمصاعب جمّة، لا يهمّني المال أو الضيقات المادّية. العلاقات الإنسانيّة مهمّة جدًّا بالنسبة إليّ أي الروابط مع الزوج والأولاد والأحفاد والرفاق. أشبّه الصعوبات بصخرة كبيرة تصادف المرء في مسيرته، فيعتقد أن الله سيزيلها من دربه لكن الواقع مغاير لهذا التوقّع لأن العائق لا يتبدّل، إنما الربّ يقوّيني كي أتخطاه، ويساندني كي أحمل الصليب عوضًا من تخفيف ثقله».
المعجزة الحقيقيّة والبشارة
تؤكد كلود أن كل الأبواب والطرق التي فُتِحَت أمامها بمثابة معجزات: من صوت المحبّة إلى تيلي لوميار حتى إدارتها مركز إصغاء وإكمال مسيرتها.
وتتناول ماهيّة المعجزة بالنسبة إليها، موضحة أن البعض يعتقد أن الأعجوبة تحصل عندما يستجيب الله لطلب الإنسان في حين أنها تكمن في استجابة الإنسان لما يطلبه الله.
وتشير كلود إلى أن المهمّات المحبّبة إلى قلبها هي كتابة الترانيم ومرافقة الأشخاص لأن الإنسان هو أعجوبة بحدّ ذاته، مشدّدة على أن دورها يتمثّل الآن في دعم الشباب ودفعهم للمضي قدمًا في الحياة، كما دعا الربّ التلاميذ إلى إعلان البشارة.
الورقة البيضاء والنقطة السوداء
تختم كلود سرد اختبارها عبر «قلم غار»، رافعةً الشكر إلى الله على النعم الغزيرة التي أغدقها عليها. وتشاركنا هذه القصّة: «دخل الأستاذ إلى الصف، وعلّق ورقة بيضاء على اللوح، وأمسك قلمًا خطّ به نقطة. من ثمّ، سأل التلاميذ عمّا يرون. فأجمعوا على إجابة واحدة: النقطة السوداء. عندئذٍ، طلب منهم التفكير مجدّدًا والتدقيق قبل الإجابة. فأصرّوا على أنهم لا يرون سوى هذه النقطة. حينها، قال لهم: كان هذا درسنا اليوم، فأنتم لم تروا المساحة البيضاء الكبيرة، بل ركّزتم على النقطة السوداء فحسب!».
وتستنتج كلود، قائلة: «أما أنا، فماذا أقول عن المساحة البيضاء الكبيرة في حياتي: الحواس والقلب والأولاد والزوج والبركات الكثيرة منذ صغري حتى اليوم!».