شربل غانم
بعد قيامة يسوع من بين الأموات وحلول الروح القدس، شهد التلاميذ الثلاثة على تجلّي الربّ على الجبل، فقال يوحنا: «رَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ» (يو 1: 14)، وقال بطرس: «قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَه لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللَّهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: “هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ”. وَنَحْنُ سَمِعْنَا هَذَا الصَّوْتَ مُقْبِلًا مِنَ السَّمَاءِ إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ» (2 بط 1: 16-18).
نقرأ في العهد القديم عن موسى (ثقيل الفم واللسان) الذي اختاره الربّ ليُحرِّر شعبه من ظلم فرعون في مسيرةٍ ليرسلهم إلى أرض الميعاد. هو الذي لبّى نداء الربّ، ووقف في محضره على جبل سيناء، وأعطاه الوصايا العشر. هو الذي قال في محضره: «أرِنيِ مَجدَكَ» (خر 33: 18). ونقرأ أيضًا عن إيليّا النبي الذي قال: «حَيٌّ هوَ الرّبُّ القديرُ الذي أعبُدُ» (1 مل 18: 15)، هو الذي غار على بيت الربّ وواجه عُبَّاد البعل. الأوّل يُمثِّل التوراة والثاني الأنبياء، حينما ظهرا بمجد سماويّ على جبل مع يسوع أمام التلاميذ الثلاثة. في الأناجيل الإزائيّة: متى (مت 17: 1-13)، ومرقس (مر 9: 1-13)، ولوقا (لو 9: 28-36)، كان التجلّي شهادة للتلاميذ عمّا قيل على لسان الأنبياء في التوراة، فأظهر يسوع ألوهيّته وناسوته.
كما أن الشمس تبعث أشعّتها على الأرض، كذلك الربّ يدعو شعبه من دون مُحاباة بطرق شتّى، آملًا أن يُلبّي النداء. إن النفس المدعوّة لتصعد من أرض العالم إلى الجبل هي نفسٌ مختارة اختبرت حضور الربّ في حياتها، وبدأت مسيرةً معه بثقة الأبناء، ودخلت في مشروعه الخلاصي. هي نفسٌ طيّعة أعدّها الربّ ونالت نعمة الوقوف في حضرته، وسط جوٍّ من الصمت والصلاة، قبل أن تعود الى أرض العالم لتشهد لما طاب للربّ أن يكشفه لها. بعد وصولها بمخافة تقف قائلة مع بطرس: «ما أجمَلَ أن نكونَ هنا» (مت 17: 4). هناك ترى السحب التي تحجب عن ناظريها موطن الناس. هناك تختبر ما عاينه التلاميذ الثلاثة برهبة وخوف لتولد من جديد ولادة روحيّة بعد موتها عن ذاتها، والوهج الإلهي يُنقّيها بناره الإلهيّة، فتسمع صوت الآب يدعوها إلى الإصغاء لابنه الوحيد: «هذا هو ابني الحبيبُ، فلَهُ اسمَعوا!» (لو 9: 35).