الإكسرخوس الرسولي فادي بو شبل
نتغنّى بك على أنّك قطعة من السماء، ووقف الله على الأرض، ودرّة الشرقين…ونفتخر بأنّ لك ستة آلاف سنة من الحضارة، وتتمتّع بفسيفساء ثقافيّة قلّ نظيرها في أيّ بلد من بلاد العالم… وفيك تلتقي الأديان وتتحاور لتُعلي كرامة الإنسان، كلّ إنسان، إلى مستوى كرامة أبناء الله…
عذرًا لأنّك وصلت إلى ما وصلت إليه بسبب من زعموا بأنّهم زعماء، وهم فاسدون وطمّاعون، قاتلون ويقتلون، ينهشون المال والسلطة ولا يشبعون، وفيهم من الأنا والفساد ما يفوق التصوّر والخيال…
عذرًا لأننا في القرن الحادي والعشرين جعلناك بلدًا بلا نور أو جمال أو رونق… فلا كهرباء تنير البيوت والشوارع ولا بصيص الأمل يشرق على شبابنا الذي يعيش في الإحباط واليأس والخوف من المصير…
شعبنا احترقت أعصابه، وسُرق ماله، وطار جنى عمره، وأكثر ما يحزنه أنّه يوصل أبناءه إلى المطار ليبحثوا عن كرامة سُرقت منهم، ومستقبل وعمل في بلدان أخرى…
عذرًا يا وطني لأنّك وصلت أن تشحذ الخبز لجيشك، ولم تستطع أن توفّر الحليب لأطفالك، والدواء لمرضاك، والعمل لشبابك، والفرح لشعبك.
عذرًا يا وطني لأنّك بدل أن تكون ملجأنا، أصبح معظمنا ينتظر الفرصة ليتركك مع فقرائك…
هل يُعقل أن يعيش من بقي على أرضك من حسنة المهاجرين؟
هل مقبول أن نرى الأطبّاء والمهندسين ودكاترة الجامعات والممرّضين وغيرهم يرحلون لتبقى مؤسّساتنا التربوية والصحيّة وغيرها مهدّدة بالإقفال؟
هل من العدل أن يصل الفساد إلى هذا الكمِّ من الفحش؟
وماذا لو تساءلت عن انفجار بيروت، ومن كان خلفه؟
بالله عليكم أنتم يا من أوصلتم هذا البلد إلى ما وصل إليه، هل نظرتم يومًا إلى عيون شبابنا وشاباتنا التي تفتقد الفرح بعدما ملأتموها حزنًا وإحباطًا؟
هل تساءلتم مرّة واحدة لو كنتم مكان من فقد جنى عمره، وحُرم من رؤية أبنائه بسبب ضجرهم وبحثهم عن عمل كريم وحياة أفضل، كيف سيكون شعوركم؟
أخبروني إن كنتم تسمعون ولو ليوم واحد أنين الفقراء في لياليهم؟
أسألكم: هل دخلتم إلى بيوت من انتخبكم وأوصلكم الى السلطة، مؤمنًا بأنكم ستعملون من أجله ومن أجل عائلته، وقد خذلتموه لأنكم لم تعملوا يومًا إلّا لأجل أنفسكم وعائلاتكم؟!
مهلًا أيّها الفقراء والضعفاء والحزانى، فالأيّام ستجعلكم شهودًا على سقوط من رفعوا أنفسهم…
تذكّروا بطش نيرون وعظمته، وكذلك الأباطرة الذين نكّلوا بالمسيحيين في روما ولم يقدروا أن ينتصروا على الحق، لأن المسيحيين كانوا مثلنا نحن اليوم ضعفاء وعزّل، وعلى الرغم من ذلك لم يستطيعوا أن يفنوهم، بل حدث العكس فكانوا المنتصرين.
سمحت لي العناية الإلهيّة أن أعيش لفترة قصيرة في هذه الأجواء الصعبة التي يمرّ بها لبنان وشعبه، وهذا ما يؤسفني أن أرى كيف أن المسؤولين عندنا هم أشبه بأحجار الشطرنج… ويؤسفني أن أسمع شكاوى الناس الطيّبين…
ذات يوم، قال الطوباوي أبونا يعقوب: “ليس كل من قال أنا لبناني صدق في قوله، إنّما من عاش وعمل لأجل لبنان، فهذا هو حقًا لبناني”، حبّذا لو بدأ كل واحد منّا أن يعيش هذه الحقيقة ليتغيّر لبنان.
والآن لا يسعني إلّا أن أقول مجدّدًا: عذرًا يا وطني، عذرًا يا لبنان.