البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي (عظة)
في ذكرى مولد القديسة رفقا، لنتأمّل في كلمات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي سلّط الضوء على السرّ الذي تميّزت به «زنبقة حملايا»، فسارت طريق آلامها بتسليم وفرح داخلي على خطى المسيح المتألّم من أجل افتداء خطايا البشريّة جمعاء، متناولًا الكلمات التي ردّدتها على الدوام وجعلتها تنتصر على آلامها، ولا سيّما بعد خسارتها عينها:
«سرّ القديسة رفقا التي نحيي ذكرى مولدها في 29 حزيران 1832، تميّز بسماعها الدائم لكلام الله الذي كانت تعتبره موجّهًا إليها شخصيًّا في كل مراحل حياتها: سمعته في اليتم بفقدان والدتها رفقا وهي وحيدة وفي السابعة من عمرها؛ وسمعت صوته الداخلي لدخول جمعيّة المريمات، وهي تصلّي أمام أيقونة سيّدة النجاة في بكفيّا. يومها سمّاها مرشدها الخوري يوسف الجميّل «زنبقة حملايا». وسمعت صوته في رسالة التعليم المسيحي على التوالي في الشبانيّة وغزير ودير القمر وجبيل ومعاد. فكان تعليمها أوّلًا بمثل حياتها وبعيشها ما كانت تعلّم عن سرّ المسيح مخلّص العالم وفادي الإنسان. فتعلّق بها الأطفال والفتيان والشبيبة.
وبعد 18 سنة في جمعيّة المريمات، تبلّغت وهي في معاد القرار المرّ وهو حلّ هذه الجمعيّة وضمّها إلى جمعيّة قلب يسوع الأقدس. فتُرِكَت الحرّية التامة لكل راهبة: إمّا الانضمام إلى الجمعيّة الموحّدة الجديدة، وإمّا الرجوع إلى العالم مع التفسيح من نذورهن، وإمّا الانضمام إلى رهبنة أخرى. فحارت بأمرها وحزنت جدًّا، وكالعادة قصدت كنيسة مار جرجس في معاد القريبة من المدرسة، وراحت تبكي وتصلّي لكي يظهر الله إرادته فيها. وثقل عليها النعاس ونامت، فسمعت صوتًا يقول لها: “ستترهّبين في الرهبنة البلديّة” (المعروفة بالرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة). ورأت راهبًا شيخًا عرفت في ما بعد أنّه القديس سمعان شفيع الدير الذي ستدخله، المعروف بدير مار سمعان القرن في أيطو. سهّل دخولها في الرهبانيّة المحسن الكبير ابن معاد أنطون عيسى. فقدّم لها المال وأرسلها إلى النائب البطريركي في المنطقة المطران يوسف فريفر، وهذا بدوره أرسلها إلى الرئيس العام الأباتي أفرام جعجع بهذه العبارة: «واصلة إليك هذه النعجة»، فقبلها في دير مار سمعان.
وسمعت كلام الله، فعاشت في دير مار سمعان القرن مدّة 26 سنة، وسارت على خطى المسيح في طريق المحبّة والكمال المسيحي، وشعّت بالفضائل، وعاشت ببطولة نذورها الرهبانيّة الثلاثة: الطاعة والعفّة والفقر، وعشقت الصلاة مع المحافظة على عيشها مع الجماعة متلألئة بمثلها وفضائلها، ومنها التواضع وروح الخدمة والفرح والصمت ودماثة الأخلاق.
وسمعت كلام الله، فعرفت كيف تسير بتسليم وفرح داخلي طريق آلامها، على خطى المسيح المتألّم من أجل افتداء خطايا البشريّة جمعاء. بدأت هذا الطريق في دير مار سمعان باقتلاع عينها بصنّارة الطبيب ورأتها تسقط أمامها، فشكرته. نقلت إلى دير مار يوسف جربتا المؤسّس حديثًا حيث عاشت عمياء ومخلّعة بكتفها وسائر أعضاء جسمها. ولم يسلم منها سوى صوتها الرخيم وأصابعها تمسك بمسبحتها وبصنّارة التطريز، فكانت صديقة الصليب ورفيقة المتألّمين، وتردّد: «مع آلامك يا يسوع، مهما تألّمتُ، يسوع تألّم أكثر منّي». هكذا قبلت آلامها الدائمة والمتزايدة طوال 17 سنة. بسبب وجعها المؤلم في كتفها، كانت تقول للراهبات: «يا أختي، لا تنسوا الجرح السادس، جرح كتف يسوع. جرحه السادس كان مؤلم كتير لأنّو حمل عليه صليب خطايانا التقيلة».
لنُصَلِّ، أيّها الأحبّاء، إلى الله ملتمسين بشفاعة القديسة رفقا أن نصغي إلى كلامه في حياتنا اليوميّة لكي نعطي أعمالنا وحالتنا قيمة تقدّس نفوسنا، وتجعلنا أهلًا لنرفع آيات المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى أبد الآبدين. آمين».
مقتطفات من عظة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عيد مولد القديسة رفقا