غيتا مارون
30 ساعة فقط على الأرض حجزت الأبديّة مع الربّ يسوع، و100 قربانة صغيرة فاضت حبًّا على روح طفلتها.
مع مريم، حملت رين برباري سلامة، أمّ فيرونيكا، صليبها، وشاركتها ألمها عندما فارقت فلذة كبدها التي رحلت رغمًا عنها، لكنها عندما نظرت إلى عينيّ المصلوب، وسمعت همساته: “حياتها عبور سريع، لكن لا تخافي! فيرونيكا تتنعّم معي في الملكوت!” عاد السلام إلى نفسها.
هكذا بدأت قصّتي مع فيرونيكا…
“منذ نعومة أظفاري، اعتدت التوجّه إلى الكنيسة مع جدّتي، والتزمت مع الربّ يسوع، حتى إنني وضعت شرطًا أساسيًّا على شريك حياتي هو الالتزام مثلي.
تعرّفت إلى ايلي، وكنا نشارك في القداس الإلهي معًا، ونصلّي عبر الهاتف ليلًا. بعد زواجنا، بقينا على عهدنا بالالتزام مع الربّ من خلال المشاركة في الذبيحة الإلهيّة، والصلوات والقراءات والتساعيات”، تخبر رين.
“بدأت قصّتي مع فيرونيكا عندما نذرت ثنائيّين كانا عاجزين عن الإنجاب للقديسة فيرونيكا، وتحقّقت النذور.
أنا أضع حياتي بين يديّ يسوع، ولم أعتد أن أطلب منه بل أقول له: تصرّف في حياتي كما تشاء لأنك تعرف مصلحتي.
عندما قصدتُ دير القديسة فيرونيكا كي أشكرها لأنها أصغت إلى طلبي، وعدتها بأن مولودي الأوّل سيكون لها، ويحمل اسمها، وكانت سعادتي لا توصف عندما عرفت أنني حبلى، وغمرني إحساس رائع بأن فيرونيكا هي مولودتي المنتظرة!”
بين الإجهاض والاحتفاظ بالجنين…
وتقول رين: “بعد إجراء الفحوصات اللازمة المتعلّقة بسلامة الجنين، أخبرنا الطبيب بأن دربًا مكلّلًا بالأشواك في انتظارنا، موضحًا: أنتما أمام خيارين، والقرار لكما: الاختيار بين الإجهاض لأن الطفلة ستعاني من تشوّهات تكوينيّة، أو الاحتفاظ بالجنين، لكن الطفلة لن تعيش طويلًا، فالعمليّات التي ستخضع لها قد تطيل عمرها لأشهر قليلة، إلا أن الموت سيكون حتميًّا.
أجبته: مهما سيحصل في المستقبل، فإن الربّ أعطاني ابنتي، وهي نعمة منه، والإجهاض غير مطروح!
فأردف الطبيب قائلًا: إنها المرّة الأولى التي يتّخذ فيها الزوجان هذا القرار في حالة مماثلة، مثنيًا على صلابة إيماننا، وسألنا: ما سرّكم؟ أجبته بثقة كبيرة: يسوع هو مصدر قوّتنا! فردّ قائلًا: جعلتماني أؤمن بأن الله يتكلّم وليس فقط الطبّ!
كان زوجي ايلي إلى جانبي، وساندني الأهل والأصدقاء، ولا سيّما رهبان “بيت مارون وخدام أرزة لبنان”، وصديقتي روز-ماري، وتجنّدت أكثر من جماعة صلاة لرفع الصلوات من أجلنا؛ رافقني الآلاف بالصلوات حتى يوم الولادة”.
100 قربانة وفيضٌ من الحبّ
وتتابع رين: “وعدت ابنتي بأن أؤمّن لها شروط الحياة الفضلى منذ تكوينها في أحشائي، ولا سيّما بعدما علمت بأنها تعاني من تشوّهات تكوينيّة، فهل أروع من جسد يسوع ودمه أقدّمهما لها كي تعرف الحياة الحقيقيّة!
لذلك، قرّرت أن أشارك في القداس الإلهي يوميًّا، وأتناول القربان المقدّس، فأهبها يسوع!
شاركت في 100 قداس إلهي ما يعني أن فيرونيكا تناولت 100 مرّة في أحشائي.
وكانت ترنيمة “يا أمّي اللي بالسما” المفضّلة بالنسبة إلى فيرونيكا التي كانت تختلج في أحشائي عندما تسمعها”.
30 ساعة على الأرض
وتضيف رين: “استجاب يسوع تضرّعاتي، فولدت فيرونيكا، ورأيتها، ونالت سرّيّ المعموديّة والثبيت، ومن ثم، تمّم الله مشيئته.
عندما ولدت فيرونيكا، لم يكن الأوكسيجين يصل إلى القلب، وكانت ابنتي تتنفّس عبر شريان متّصل بي، ما يعني أنها لن تتمكن من التنفّس عندما ستخرج من أحشائي.
حصل أمر غريب عندما أنجبت ابنتي إذ لم تكن بحاجة إلى الأوكسجين، وقال لي الطبيب: ابنتك تتنفّس من دون تدخّل الطبّ، وهناك احتمال كبير بأنها ستعيش! ظننت، للوهلة الأولى، أن المعجزة قد تمّت.
كنت، في خلال حملي، أضع زيتًا مقدّسًا على بطني مع ذخيرة مار شربل، وطلبت تدخّله وحضوره في العمليّة الجراحيّة.
ولطالما ردّدت هذه الكلمات، وقلت ليسوع: اختر الطريقة الفضلى التي ستمجّد فيها فيرونيكا اسمك القدوس، فأنا لن أطلب منك أن تشفي ابنتي أو أن تتركها لي! طفلتي هي لك ولمجدك، فافعل ما تشاء، وسأكون سعيدة لأنني أعطيك قطعة مني!
للأسف، عاد الطبيب وأبلغنا بأن فيرونيكا لن تعيش إلا ساعات قليلة… نالت سرّيّ المعموديّة والتثبيت بعد ولادتها مباشرة، ولم أتمكن من رؤيتها في اليوم الأوّل، بسبب التخوّف من تعرّضي لنزيف.
رأيتها في اليوم الثاني، وشعرت بأن لونها بدأ يتغيّر بسبب نقص الأوكسجين، وأمسكت يدها وقدمها، لمست وجهها، ومسحت فمها وصدرها ويديها بالزيت المقدّس، وجعلتها تصغي إلى الترانيم التي كانت تسمعها أثناء الحمل، وصلّيتُ بصوت مرتفع.
في ذلك اليوم، عدت إلى غرفتي، لكنني شعرت بأن مكروهًا أصاب فيرونيكا، فتوجّهتُ إلى غرفتها، ورأيت أهلي غارقين في البكاء، وقالوا لي: “صارت مع يسوع!” اهتمّ الممرّضون بتحميمها، وألبسوها ثوب القديسة فيرونيكا”…
أثق بأن فيرونيكا سعيدة مع يسوع!
وتخبر رين: “بعد ولادة ابنتي في السماء، تضاعف شوقنا إلى الحديث اليومي مع يسوع… كنت أنزعج من مقولة بعض الناس: “الله ما بيجرّب إلا محبّينه”، لأن الربّ لا يجرّب بل يسمح بأن نمرّ باختبار كي نحصد الثمار الطيّبة، ويعطينا الوزنات كي نحسن استثمارها.
إن الشهادة العظمى تكمن في أن يخبر الإنسان عن يسوع!
أؤمن بأن فيرونيكا ستخبر عن يسوع، وإن كانت في السماء، لأن المشوار لم ينتهِ هنا، بل بدأ فعليًّا عندما انتقلت إلى الحياة الأبديّة، وعاينت وجه المخلّص!”
وتتابع رين بعدما جرّحت العبرات كلماتها الصادقة: “فيرونيكا سعيدة مع الربّ! يتملّكني شعور مزدوج: أنا حزينة لأنني مشتاقة إليها، ومسرورة في الوقت عينه لأنها مبتهجة مع يسوع وترعانا من العلى…
منذ رحيل فيرونيكا حتى اليوم، نرفع إلى طفلتنا الصلاة الآتية: “فيرونيكا صلّي من أجلنا!” لأننا نؤمن بأنها ملاك في حضن يسوع، ونطلب شفاعتها، ورعاية عائلتنا كي تكبر وتزهو بإخوة جدد”…
نفضت عنّي حزني وأكملت مسيرتي…
وترفع رين الشكر إلى الربّ قائلة: “أحمد يسوع لأنه يجعلني أشعر بحضوره الدائم في حياتي، وعندما أصلّي من أجل الآخرين، أطلب منه أن يجعلهم يلمسون أيضًا هذا الحضور لأنهم سيشعرون، حينئذٍ، بالأمان ونِعَم التسليم المطلق لله.
أنا ابنة الملك الغالية على قلبه! أشكره على الدوام لأنه إلى جانبي، ويبارك كل خطوة في حياتي، وأطلب منه أن يعانقنا كما تغمرنا أمّه مريم العذراء بثوبها!
نفضت عنّي حزني، وأكملت مسيرتي، وأنا سعيدة لأنني ما زلت أمًّا، وابنتي التي سبقتني إلى السماء تعطيني نعمًا كثيرة، وجعلت ثقتي بيسوع تزداد”.
ومن قلب الأمّ الشابة كلمات ممزوجة بدموع الشوق والحبّ توجّهها إلى ابنتها: “كم أشتاق إلى عناقك، وتقبيلك، واشتمام رائحتك… أطلب من يسوع أن تزوريني في الحلم كي أعانقك، وأطلب منك رعاية عائلتنا، وإعداد المكان الأفضل لنا في السماء لأننا سنلتقي في العلى!”