البابا فرنسيس
(صلاة الحبر الأعظم من أجل السلام)
يا مريم، انظري إلينا! نحن هنا أمامك. أنتِ أمٌّ، وتعرفين أتعابنا وجراحنا. أنتِ، ملكة السلام، تتألّمين معنا ومن أجلنا، عندما تَرَيْنَ أبناءك الكثيرين المُبتلين بالصراعات، والمتألّمين بسبب الحروب التي تمزّق العالم.
إنّها ساعة مظلمة. هذه ساعة مظلمة، يا أمّي. وفي هذه الساعة المظلمة، إنّنا نمثل أمام عينيك المضيئتين، ونوكل أنفسنا إلى قلبك الذي يعرف ويشعر بمشاكلنا. لم يَخْلُ قلبكِ يومًا من القلق والمخاوف: أيُّ قلقٍ اعتراكِ لمّا لم تجدي مكانًا ليسوع في المضافة، وأيُّ خوفٍ أصابكِ لمّا هربتم على عجلٍ إلى مصر لأنّ هيرودس أراد أن يقتله، وكم تألَّمْتِ لمّا فقدتماه في الهيكل! لكنّكِ، يا أمي، في المحن كنتِ شجاعة وجريئة: وثقتِ بالله، وبدل القلق زادت عنايتك بيسوع، وبدل الخوف كان حبّك كبيرًا، وبدل الألم بذلتِ ذاتك. وفي اللحظات الحاسمة لم تتردّدي، بل أقدمتِ على العمل واتّخذتِ المبادرات: فذهبت مسرعة إلى إليصابات، وفي عرس قانا، طلبت من يسوع المعجزة الأولى، وفي العلّيّة ساعدتِ على بقاء التلاميذ متّحدين. وعندما اجتاز سيف في نفسك على الجلجثة، أنتِ، أيّتها المرأة المتواضعة والقويّة، نسجتِ ليل الألم برجاء الفصح.
والآن أيضًا خُذِي المبادرة، يا أمّنا، من أجلنا، في هذه الأوقات التي تمزّقها الصراعات وتدمّرها الأسلحة. وجّهي نظركِ الرحيم إلى الأسرة البشريّة التي ضلَّت طريق السلام، وفضّلت قايين على هابيل، وفقدت الإحساس بالأخوّة، ولم تعد تجد جوّ البيت. تشفّعِي بعالمنا المهدّد بالخطر والدمار. علّمينا أن نستقبل الحياة ونعتني بها -كل حياة بشريّة!- وأن نرفض جنون الحرب التي تزرع الموت وتمحو المستقبل.
يا مريم، جئتِ إلينا مرارًا كثيرة تطلبين الصلاة والتوبة. لكننا غرقنا في احتياجاتنا، وشتّتتنا مصالحنا الكثيرة، فأصابنا الصمم ولم نسمع نداءاتك. أنتِ التي تحبّيننا لا تتعبي منّا. أمسكي بيدنا، وأرشدينا إلى التوبة، لنضع الله في المكان الأوّل. ساعدينا لنحافظ على وحدة الكنيسة ولنكون صانعي شركة ووحدة في العالم. ذكّرينا بأهمّية دورنا، واجعلينا نشعر بأنّنا مسؤولون عن السلام، ومدعوّون إلى أن نصلّي ونسجد، ونتشفّع ونكفّر عن الجنس البشري كلّه.
يا أمّي، وحدنا، لا نقدر، وبدون ابنكِ لا يمكننا أن نعمل شيئًا. أرجعينا إلى يسوع الذي هو سلامنا. لذلك، يا أمّ الله وأمّنا، إنّا نأتي إليكِ، ونلتجئ إلى قلبك الطاهر. إنّا نطلب الرحمة يا أمّ الرحمة، ونطلب السلام يا ملكة السلام! حرّكي نفوس الذين وقعوا في شرك الكراهية، وبدّلي قلوب الذين يغذّون ويثيرون الصراعات. امسحي دموع الأطفال -في هذا الوقت يبكون كثيرًا!-، وساعدي الوحيدين والمتقدّمين بالسنّ، وكوني سندًا للجرحى والمرضى، واحمي الذين اضطرّوا إلى أن يتركوا أرضهم وأحبّاءهم الأعزّاء، وعزّي المُحبَطين، وأيقظي الرجاء.
نَكِلُ إليكِ حياتنا، نكرّسها لكِ، وكل جزء من كياننا، وما لنا وذاتنا كلَّها، دائمًا. نكرّس لكِ الكنيسة حتى تشهد لمحبّة المسيح أمام العالم، وتكون علامة وفاق وأداة سلام. نكرّس لكِ عالمنا، وبخاصّة البلدان والمناطق التي تشتعل فيها الحروب.
الشعب الأمين يدعوكِ يا فجر الخلاص: يا أمّي، افتحي آفاق نور في ليل الصراعات. أنتِ، يا مسكن الروح القدس، ألهمي قادة الأمم ليجدوا طرق السلام. أنتِ، يا سيّدة الشعوب كلّها، صالحي أبناءكِ الذين سيطر عليهم الشرّ، وأعمَتهم السلطة والكراهية. أنتِ، القريبة من كل واحد، قَصِّري المسافات بيننا. أنتِ التي تشفقين على الجميع، علّمينا أن نهتمّ بالآخرين. أنتِ التي تُظهرين لنا حنان الله، اجعلينا شهودًا لتعزيته. أنتِ، يا ملكة السلام، اسكبي في قلوبنا سلامًا مثل سلام الله. آمين.