نيكول طعمة
على مدار 46 عامًا، ترافق الشريكان معًا وأكملا دعوة الكهنوت بشغف. ما يميّز شهادتهما يكمن في الوحدة الروحيّة السامية التي جمعتهما. فهما ليسا مجرّد «خوري وخوريّة»، بل زوجان يعانقان الرسالة، ويؤكدان أنّ الخدمة الكنسيّة هي جزء لا يتجزأ من حياتهما الزوجيّة، وأنّ الكنيسة بيتهما الدائم حيث يجدان الدعم على الصعد الروحيّة والاجتماعيّة والعائليّة.
إنّهما الخوري عصام إبراهيم وزوجته فيفيان اللذان يشاركان «قلم غار» خلاصة مسيرة حياتهما المتجسّدة في خدمة الكنيسة والعمل الرعوي، وكيفيّة تحوُّل هذا المسار إلى مصدر إيمان وقوّة وإلهام لهما في رحلتهما المشتركة في الحياة الزوجيّة والكنسيّة.
دعوة كهنوتيّة مبكرة
نشأ الخوري عصام إبراهيم وسط عائلة مسيحيّة ملتزمة، وقد شعر منذ طفولته بأنّ الدعوة تناديه. يخبر الخوري إبراهيم: «في العاشرة، دخلت دير الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة حتى أنهيت المرحلة الثانويّة. ثم انتقلت إلى جامعة القديس يوسف وحزت إجازة في الفلسفة. كما تابعت دراستي في جامعة الروح القدس-الكسليك، ونلت إجازة ثانية في اللاهوت وثالثة في الليتورجيا».
لقد رسم الشاب المتخرّج مستقبله وقرّر مصيره. وبخلاف رفاقه، لم يكترث للارتباط بفتاة وتأسيس عائلة معها، بل اهتمّ بأن يلبّي نداءً داخليًّا عميقًا يدعوه إلى خدمة الله بطريقة أعمق، فلجأ إلى الكهنوت.
حضور الله في الكنيسة والعائلة
يقول الخوري إبراهيم: «في خلال حرب عام 1975، التقيت صدفةً بفيفيان، وراودتني فكرة الزواج منها إلا أنّ القرار لم يكن سهلًا، فاستمررنا على مدار ثلاث سنوات نشارك في الرياضات الروحيّة إلى أن لمسنا مشيئة الله بخوض مشوار الحياة معًا».
تُبدي الخوريّة فيفيان رأيها في الحديث، قائلةً: «كنت في الخامسة عشرة حين تعرّفت إلى عصام، ولم أعرف حينذاك زوجة كاهن يناديها الناس بلقب الخوريّة كي آخذ بنصائحها وتجربتها، ولا سيّما أنّ أحدًا لم يكن يشجّعني على الارتباط برجل مدعوّ إلى الكهنوت، بل بخلاف ذلك، كانت عائلتي والأقارب والأصدقاء يعتبرون أنّ حياتي ستكون مرهقة وصعبة جدًّا إذا ارتبطت بكاهن».
وتستطرد: «مع ذلك، قبل الزواج، تحضرّتُ نفسيًّا لخوض الحياة الكنسيّة. في الثامنة عشرة، اتّكلت على الله وشعرت بأنّ الدعوة جمعتنا معًا، فتزوّجنا. بعد أربعة أعوام على زواجنا، رُزِقنا بولدين. من ثم، رُسِمَ عصام كاهنًا. بعدها، أنعم الله علينا بثلاثة أولاد ليصل عددهم إلى خمسة».
عصام إبراهيم هو اليوم كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة، وخادم رعيّة مار يوسف-حارة حريك لحوالى 42 عامًا، وخادم رعيّة القديسة تريزيا الطفل يسوع في الفيّاضيّة لنحو 41 عامًا. تسلّم الخوري إبراهيم في خلال سنين طويلة مسؤوليّات عدّة في أبرشيّة بيروت المارونيّة، أبرزها تولّيه إعطاء إذن الزواج للشباب والمصالحة في ملفات دعاوى بطلان الزواج.
ثمّة مهمّات مختلفة تولّاها في حياته، يتحدّث الخوري عصام عنها: «درّستُ مادة اللغة العربيّة لمدّة 45 عامًا في الكثير من المدارس، بينها مدرسة الحكمة-برازيليا في بعبدا، وعُيّنت مديرًا فيها لمدّة خمس سنوات».
عن اختباره الكهنوتي والخدمة في الكنيسة والرعايا، يشرح الخوري إبراهيم: «الربّ أنعم عليّ واختارني كي أخدمه وأمجّده. أقول هذا الكلام لأنّني لمستُ محبّة الناس وتقديرهم لي، ما أثّر إيجابًا في ارتدادهم نحو الإيمان والكنيسة وانخراطهم في النشاطات الرعويّة، وساعدني كثيرًا في تأدية رسالتي، ومنحني شعورًا بالغبطة».
وعمّا إذا كان انهماكه في خدمة الكنيسة والرعايا قد أثّر سلبًا على الحياة الزوجيّة والعائليّة، يجيب: «لا أنفي أنّ العمل الرسولي أخذ من وقتي كثيرًا خارج الحياة العائليّة. فاضطررت للتغيّب عن زوجتي وأولادي لوقتٍ طويل. بالتالي، أثّر ذلك على نفسيّة أولادي. وكان الاتّكال بالكامل على فيفيان». ويردف: «أدركت النقص الذي تركته تجاه عائلتي كأب وزوج. لذلك، أردّد دائمًا نصيحتي أمام الشباب، ومفادها أنّه لا يجوز للكاهن المتزوّج أن يهمل عائلته ويتناسى واجباته حيالها، بل عليه أن يوازي بين الخدمة الرسوليّة والعائليّة».
رعاية الربّ الدائمة
من جهتها، تقول الخوريّة إنّها كانت تشعر بيد الله ترعاها وترشدها في كل خطوة، بخاصّة عندما كانت تواجه التحدّيات التي ترافق الحياة العائليّة وتربية الأولاد وغياب شريكها في أغلب الأوقات عن المنزل بسبب التزاماته الكنسيّة.
وتوضح فيفيان: «إلى جانب تربية الأولاد والعناية بالشؤون المنزليّة، درّست التعليم الديني لنحو 31 عامًا في مدرسة الحكمة-برازيليا في بعبدا. وسأتفرّغ هذه السنة للعائلة وخدمة الكنيسة والرعيّة بعدما تقاعدت أخيرًا».
على الرغم من انشغالاتها وواجباتها كزوجة وربّة منزل، تلتزم الخوريّة فيفيان بالكنيسة وتشارك في نشاطاتها. تخبر موقعنا أنّها دخلت رعيّة القديسة تريزيا الطفل يسوع، وشاركت وما زالت في أنشطتها المتنوّعة. وتضيف: «انضممتُ إلى أخويّة الرعيّة والتحقتُ بجوقتها. وقد انسحب هذا الأمر على أولادي الذين يخدمون الرعيّة بحبٍّ وشغفٍ كبيرين».
يقاطعها الخوري عصام، فيقول: «لقد خدمنا هذه الرعيّة، وغمرنا الناس بمحبّتهم ووقوفهم إلى جانبنا في لحظات الشدّة. لذلك، نشعر بحضور الله من خلال المحيطين بنا».
وتتحدّث فيفيان عن دورها في دعم النساء والشباب في الكنيسة، وعن سعيها لتكون مثالًا يُحتذى به في مجتمعها من خلال التفاني في خدمتها.
عصام يعود إلى الحياة
لمس الزوجان نقطة تحوّل أساسيّة ومهمّة في حياتهما بعد تعرّض الخوري عصام لوعكةٍ صحّية قاسية كادت أن تنهي حياته.
تشاركنا فيفيان المحنة المؤلمة التي مرّ بها زوجها: «دخل عصام المستشفى إثر وعكة صحّية شديدة شكّلت خطرًا كبيرًا على حياته. ووصل بنا الأمر إلى أن مسحه أحد الآباء بالزيت المقدّس. لكن الربّ قال كلمته! بعد مرور أربعين يومًا على مكوثه في العناية الفائقة، نجا زوجي بأعجوبة من الموت». تضيف: «بالنسبة إلينا، كان تدخّل الربّ قويًّا ونجّانا من كارثة كبيرة. وبعد يومين على مغادرة عصام المستشفى، وُلِدَ نجلنا الأوّل. وهكذا، اكتملت فرحتنا».
شكرٌ لله بكلمات مؤثّرة
في الختام، يعبّر الخوري عصام إبراهيم وزوجته فيفيان عبر «قلم غار» عن شكرهما لله على النعم التي منحهما إيّاها: الزواج، والعائلة والكهنوت، وكيفيّة أن تكون الكنيسة دومًا مصدر القوّة والرجاء والعطاء في رحلتهما المشتركة.