الأب بيتر حنا
هي ربّما قصّة كلٍّ منا. ربّما نلنا جميعنا من السعادة النصيب الوافر في أيام الصغر، لكن في كلّ منا أيضًا شخصٌ كان يبحث له عن وطن، كان يبحث عن ذاته. في الكثير من الصور والمشاهد التي مرّت أمامنا، كنّا نبحث عن ذاتٍ سنصير إليها، عن هويّة سنمتلكها، عن كيان سنبنيه.
لطالما أحببتُ السماء لأنها بعيدة، وحلمتُ بسماءٍ أبعد. لطالما عشقت البحر لأنه كبير لا نهاية له… لطالما تأمّلت بتلك الطائرات التي حلّقت ولم تبلغ، بسبب بعدها، حجم الذبابة. تأمّلت بتلك الطائرات كلّما مرّت، وفكّرتُ بمسافريها التي تحملهم، والذين يحلمون ويحملون أفكارًا ومشاريع. كنت أرى فيها فرصةً نحو الأفضل، ولَكَم اشتهيتُ أن أنالها.
بعض الناس يرون في الحياة عالمًا كبيرًا، أكبر منهم. والبعض عالمهم أكبرُ من الحياة. البعض إن لم يجد ما يرغبه، يقبل بما لديه. البعض الآخر، يصمتُ إلى حين، إنما في داخله شعلةٌ لا تنطفئ، لا شيء يعطيه الأمل، إنما قلبه مفعمٌ بالأمل.
حرب الإنسان دائمًا مع ما يظنّه الآخرون، ويجبرونه على الظنّ به، وما يظنّه هو. يحاولون أن يجعلوا منه نسخةً أخرى، ويعدونه إذاك ببعض السلام. أمّا هو، فله أن يختار، بين حدودهم وحدوده، بين سلامهم وأحلامه. البعض يثور ليقول إنه ثائر، والبعض يذعن لصمت اللسان. أمّا قلبه، ففي الثورة وحشٌ جائر. البعض يثور، ومن ثمّ، ينطفئ فجأة، أمّا البعض الآخر، فيصبرون إلى أن ينالوا مبتغاهم.
صفعاتُ الحياة كثيرة، وهي في حجمها كبيرة. إنما هي مسألة صمود… من يصمد واقفًا حتى النهاية يفوز. الصعوبة في الأحلام المبكرة هي أنها لا تمنحك رؤية واضحة للطريق إليها، طريقٌ ضبابيّة لا أكثر. الأحلام تسألك الكثير، وتمنحك القليل، وهي لتصبح واقعًا، لا بدّ لكَ أنت أن تؤمن. نعم، الإيمان. لله ما أصعبه! آمن، ولا تقل شيئًا، اجعلهم يرون فقط. إن قلت شيئًا، ستصبح عبدًا لأسئلتهم، وهم لا بدّ أنهم سيحاولون وضع أجوبتهم. تجنّب أن تلتزم بخطوطٍ يمكن أن يرسموها لكَ. آمن بصمت، واترك للوقت أن يُظهر الأشياء. إنما تذكّر، أنت تفعل كلّ شيءٍ لأنك تريده أنت، وليس هم. أنت تذهب وأحلامك لأنك تؤمن بها.
“لا تحلم”، سيقولون، “الواقع شيءٌ آخر”. إنما ألم يكن واقع كلّ من نجحوا حُلمًا في الماضي؟! الطفولةُ مصنع الأحلام، وبقدر ما يوفَّق الإنسان في حمل ذاك الطفل في داخله بقدر ما يحمل تلك الأحلام. في بعض الأوقات، الأفضل أن لا يكبر الإنسان، ربّما الأفضل أن يكبر تكتيكيًّا، إنما في أحلامه فليبقَ طفلاً. وإن كبر، فليسبح في عالم الطفولة دائمًا.