غيتا مارون
فتحي عبّود بلدي، ابن الـ19 ربيعًا، استشهد من أجل ايمانه بالربّ يسوع.
ولد الشهيد اللبناني فتحي بلدي في 22 أيلول 1961 في بيروت من أبوَيْن مسيحيَّين هما عبّود فتح الله بلدي ونيللي جبرائيل مدوّر. انتسب إلى الأكاديمية اللبنانيّة للفنون الجميلة “ألبا”، حيث أنهى السنة الأولى (السنة الدراسيّة 1979-1980). وفي الفصل الأوّل من السنة الدراسية التالية، تابع السنة الأولى في الهندسة المعمارية حتى يوم وفاته (31 كانون الأوّل 1980).
وأخبر راعي أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك سابقًا المطران كيرلس سليم بسترس -الذي كان قد أعلن حصوله من مجمع قضايا القديسين في الفاتيكان على قبول فتح دعوى تطويب فتحي عبّود بلدي وتقديسه- ما حصل يوم وفاة بلدي قائلًا: “في صباح هذا النهار، استأذن فتحي والدته ليتوجّه بسيّارته إلى بيت أحد زملائه في عاريّا للمذاكرة في الدروس الهندسيّة. وحوالي الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثلاثين، تلقّت أخته جينا مخابرة هاتفيّة من فتاة تفيد بتعرّض فتحي لحادث سيّارة على طريق عاريا. فتوجّهت مع والدتها تبحثان عنه، إلى أن وصلتا أمام منزل رفيقه بعد الاستدلال عليه. فوجدتاه ملقىً على مقعد سيّارته أمام المقود. وهو مصاب بطلقات ناريّة عدّة في رأسه وصدره، ورصاصة الرحمة نفذت من أذنه اليسرى إلى اليمين من رقبته. دفن أوّلًا في مقبرة كنيسة الروم الكاثوليك في رأس النبع في بيروت، ثمّ نقل جثمانه إلى مدفن دير المخلّص في صربا في 14 تموز 1983”.
فاضت الشفاءات بشفاعته…
بعد وفاته، ظهرت على قبره أنوار ورشح منه زيت، وكثرت الشفاءات التي كان المؤمنون يطلبونها من الله بشفاعته، وأُثبتت بتقارير طبّية، نذكر منها شفاء لوسيا خليفة، وسيدر كنعان.
والدا فتحي قالا بعد حصول الشفاءات: “نحن نؤمن ونعتقد بما تعلّمنا إيّاه أمّنا الكنيسة، ولها وحدها أن تثبت صحّة المعجزات، وقداسة من يجترحها، لكننا نثق في أن فتحي بلدي كان نموذج التلميذ المسيحي، ويشهد له بذلك أهله وأصدقاؤه ومعلّموه، حتى إن مرشده الروحي في مدرسة الحكمة الأب غطاس يونان قال له مرّة: “ستصبح يومًا ما قدّيسًا عظيمًا يا فتحي”.
إلى ذلك، برزت شهادات حياة عديدة تناولت ظاهرة الشهيد فتحي بلدي منها شهادة الراهبة نتالي التوم في ذوق مكايل في 23/11/1983، وجاء فيها: “شيّد في كنيسة ديرنا هيكل باسم فتحي بلدي بالتزامن مع انتشار أخبار المعجزات التي تحصل بشفاعته. فطلبت من والدة فتحي، من حوالي السنة ونصف السنة، صورة له وضعتها في كتاب الصلاة، سائلةً شفاعته بكل حرارة وإيمان.
وقد حدث يوم الأحد في 14 آب 1983 أن سال الزيت من واجهة الهيكل الأماميّة وتجمّع على الأرض، إلا أن ما ترك الأثر الشديد في نفسي هو ما حصل معي يوم الأربعاء في 17 آب 1983. عند حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، دخلت الكنيسة لأزور القربان المقدّس. وما إن وقع نظري على الجهة اليمنى للهيكل، حيث حُفر اسم فتحي بلدي، حتى رأيت زيتًا يخرج من اسمه ويسيل على الصخر ويتجمّع على الأرض، فشعرت برهبة وخشية عظيمتَيْن، وأسرعت منادية الأمّ ماكرينا مامو التي اندفعت لتشاهد هذه المعجزة السماويّة. ثم طلبتْ منّي أن أجلب لها قطنًا، فلبّيت طلبها. عندئذٍ، تناولت الأم ماكرينا قطعتَيْن كبيرتَيْن من القطن مسحت بهما الزيت الذي كان لا يزال يسيل. وبدأنا نصلّي.
بعد هذه الحادثة بأيام عدّة، وبالتحديد يوم الخميس في 25 آب 1983، فتحت كتاب الصلاة حيث وضعت صورة فتحي، تلك التي أخذتها من والدته، وكانت المفاجأة بانتظاري إذ وجدت الصورة مبلّلة بالزيت، في حين لم يظهر أيّ أثر له على صفحتيّ الكتاب… وما زلت أحتفظ بتلك الصورة”.
ماذا في جديد دعوى تطويب فتحي بلدي؟
أكد طالِب دعوى الشهيد اللبناني فتحي بلدي الأب بولس القزّي لـ”قلم غار” أنه قرّر مع راعي أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك الحالي جورج بقعوني تقديم دعوى التطويب إلى سينودس كنيسة الروم الكاثوليك لكنه لم ينعقد حتى الساعة، لافتًا إلى أن الجهود قائمة من أجل جمع الشهادات والوثائق التي تتناول المعجزات التي تمّت بشفاعته، فضلًا عن إعداد وثائقي يسلّط الضوء على حياته وفضائله.
ماذا كشفت شقيقة فتحي بلدي عبر “قلم غار”؟
أكدت شقيقة فتحي الصغرى جينا بلدي لـ”قلم غار” أن أخاها كان يهتمّ بالمسنّين والأطفال والمحتاجين، وجسّد المحبّة والطاعة والتواضع في حياته، وتمحور حديثه حول الله والدين المسيحي والمحبّة، لافتة الى أن شهادات أصدقائه والمقرّبين منه سلّطت الضوء على فضائله.
وأشارت إلى أن شقيقها كان متعاونًا جدًّا مع زملائه ومستعدًا لمساعدتهم في التعلّم، مشدّدة على تفوّقه في الدراسة ولا سيّما في مادة التعليم المسيحي، وتميّزه بالهدوء والسلام الداخلي الذي اختبره.
شفاءات أطفال بشفاعة فتحي بلدي
أخبرت جينا بلدي عن شفاءات تمّت بشفاعة شقيقها: “في شباط 2019، شفيت طفلة تدعى إيللا عقل، كانت تعاني من حموضة المعدة reflux منذ ولادتها ولازمتها لغاية عمر الثلاث سنوات، ومن ثمّ زاد الألم في معدتها، ولا سيّما في أثناء تناولها الطعام، وكانت تتقيأ، وظهر الدم في برازها…
وحاولت أمّها مارغو، وهي طبيبة أطفال، اعتماد كل الوسائل الممكنة من أجل شفائها، ولم يأتِ العلاج الذي اعتُمد أو الأدوية أو النظام الغذائي بالنتيجة المرجوّة، فقرّرت اصطحابها إلى اختصاصي، ولم تكن حدّة الوجع تتراجع إلا في خلال النوم.
وكانت مارغو قد سمعت بسيرة شقيقي، وراحت تتردّد إلى الصلاة الأسبوعيّة التي تقام كل أربعاء عند الساعة 10:30 صباحًا على نيّة المؤمنين بشفاعة فتحي في دير المخلّص في صربا.
وبعدما لمسها اختبار فيرا كرم التي نالت ابنتها نعمة الشفاء التي طلبتها بشفاعة شقيقي، إذ وضعت صورته على موضع الألم والاحمرار في عين طفلتها، ما أدّى إلى شفائها بعد دقائق… هذا الاختبار شجّع مارغو على أن تأخذ صورة فتحي وتقوم بالمثل… وفي الليلة عينها، وضعت صورة شقيقي على معدة إيللا وطلبت الشفاء بشفاعته. وفي اليوم التالي، تمّ الشفاء… اختفت الأوجاع والدم، وعادت الفتاة إلى حياتها الطبيعية، تأكل كلّ ما تريده ولا تتأذى من تناول أيّ نوع من الأطعمة”.
“جوزفين، قومي ما بقى بكي شي!”
ونقلت جينا بلدي لموقعنا اختبار جوزفين مرعي، وهي ربّة منزل، ولديها خمسة أطفال، عانت من القرحة والنزيف المتواصل، وكانت بحاجة إلى إجراء عمليّة دقيقة جدًّا…
وتابعت جينا: “شاركت قريبة جوزفين في القداس الإلهي الذي أقيم في دير مار مخايل في ذوق مكايل في الذكرى السنوية الأولى لوفاة شقيقي، وسمعت بسيرة فتحي في العظة، وأخذت قربانة وُزّعت بعد انتهاء القداس وأعطتها لجوزفين، فتناولتها بقلب مفعم بالإيمان وتوجّهت إلى فتحي بالقول: أيّها القديس الجديد، أنا لا أعرفك لكنني أطلب نعمة الشفاء بشفاعتك، فأنت تعرف أن عمليّتي دقيقة وأنا أتألم بشدّة…
وفي فجر اليوم التالي، شعّ نور ساطع في غرفتها، فرأت شابًا يقف أمامها، متّشحًا بالأبيض، يلقي التحيّة عليها راسمًا إشارة الصليب، ويقترب منها ويضع يده على معدتها، ويقول لها: جوزفين، قومي ما بقى بكي شي! ووصفته بدقة، فتبيّن أنه فتحي بلدي! وبعد يومَيْن، قصدت الطبيب، وأجرت الفحوصات اللازمة التي أكدت ألا أثر للقرحة على الإطلاق! لم تعد تعاني من أيّ ألم، وتناولت كل الأطعمة، ولم يؤثر أيّ نوع منها على معدتها”…
واختصرت جينا حياة شقيقها بهذه العبارة: “بحث طوال حياته عن معرفة الله، وتعرّف عليه”.
صلاة من القلب بقلم فتحي بلدي
اختبر فتحي بلدي معنى الألم الذي يجعلنا نعبر وننتصر في نهاية مسيرتنا، رافعين أناشيد المجد لخالقنا، فكتب تلك الصلاة المعبّرة:
“نحزن أحيانًا على من نحبّ، نرفض تقبّل رحيلهم وعذاباتهم ومتاعبهم، نثور ونتمزّق ونبكي…
ربّي، استمع إلى هذه الأنشودة العابرة! لا تهملنا أبدًا، أنت فائق العظمة والقدرة! انظر إلينا، امكث معنا…
إننا نكتئب… نعم، هذا واجب! ونذرف العبرات، هذا أيضًا واجب… وقد ننزوي لكي نجد نفسنا، وهذا كلّه ترفضه، لكنّه حسن…
الدموع جميلة… الكآبة طريق إليك يا إلهي، والعزلة أغنية مجد لعظمتك وللإنسان…
ربّي، لا تتركني! لا تهمل المعذّبين، والجياع والعطاش، والمكبّلين بأصفاد وحشيّة الناس، والمقيمين وقوفًا في السجون، والذين قست عليهم الأرض، والذين فقدوا فرح الحياة، والذين تواروا عن الوجود…
لا تنسى أبدًا أننا نحبّ ونبكي ونرفع نظرنا إليك، وننظر إلى الحياة كأناس سذّج، وعلى الأخصّ أننا نحبّك، وننظر إليك رافعي الرأس والابتسامة على محيّانا، وعلى لساننا تمجيد عظمتك وقوّتك…
ربّي، أنجدنا! آمين”.