الأب جورج بريدي
إلى الذين يؤمنون بالمحبّة، إليكم ما تقوله اليوم:
لم يهرب المسيح من أمام بيلاطس عندما سأله عن الحقيقة، بل أعطى كلماته برهانًا: «ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبّائه» (يو 15: 13) لأنّه يعلم أنّ المحبّة الحقّة لا تبلغ ذروتها إلا عندما تبذل ذاتها.
فرأيتها معلّقةً على الصليب تقول:
رسالتي اليوم ليست إلى الذين أحبّوا من دون حدود، وحاولوا عيشي كما يريد المسيح، وصدّقوا وجوهًا صلَّوا مرارًا من أجلها، بل إلى الذين رفضوني بوعيٍ تام، وطعنوني بِغَدرهِم، ولفّقوا عليَّ أكاذيبهم لإسكات ضمائرهم، وتركوا في قلوب من أحبّوهم أكثر من ذاتهم جروحًا دفينةً، لا يعلم مدى ألمها سوى الذي أحبّ حقًّا، وبقي ثابتًا على محبّته لأنّه يؤمن أنّ «المحبّة لا تسقط أبدًا» (1 قور 13: 8).
ذكّروا أنفسكم جيّدًا مَن هي المحبّة التي استغنيتم عنها، وتكملون حياتكم من دون أن تدركوا مدى الأذى الذي تركتموه فيَّ.
ذكّروا ضمائركم التي رفضتم يومًا سماعها، مَن قال لكم الحقيقة ومَن صفّق لكم عندما اخترتم عيش الكذبة.
ذكّروا أذنيكم مَن أسمعكم كلام التشجيع، وقال لكم إنّه يقدّركم كما أنتم.
ذكّروا عيونكم مشاهد الصلاة من أجلكم، وحين ضحّيتُ بذاتي كي أبلسم قساوة أيّامكم، تذكّروا جيّدًا، علَّكم لا توهموا أنفسكم أنّ الحياة تستمر، وقد قتلتم الطيبة في قلوبٍ صدّقتكم.
كلماتي لكم عكس ما تعتقدون، فالمحبّة «لا تفعل ما ليس بشريف ولا تسعى إلى منفعتها» (1 قور 13: 5)؛
تذكّروا كم بودلتم بالمحبّة رغم أخطائكم وسلوككم في الخفاء عكسها، وأمام قساوة قلوبكم وألسنتكم، بقِيتُ ثابتة ولم أترككم لأنّ معلّمي علّمني أنّ المحبّة الصادقة «تعذر كل شيء وتصدّق كل شيء وترجو كل شيء وتتحمّل كل شيء» (1 قور 13: 7).
عند الامتحان، بدل أن تدرسوا في كتابي، اخترتم الحفاظ على الأنا. فمحبّتكم لها حدود وقواعد وحرّية زائفة، وأنا فتحتُ لكم أبواب قلبي من دون خوفٍ ولا ونى؛ محبّتكم تسعى إلى أن تربح ذاتها والعالم، والمسيح أنكر ذاته وصيّر محبّته صليبًا.
انظروا إلى فوق، إنّ الله فاحص القلوب والكلى، قد رأى كل شيء وما زال يرى؛ ربّما أخطأ مَن أحبّكم تجاهه وتجاهكم أحيانًا كثيرة، فاستَنظَرتُ منكم أنتم مَن تدّعون معرفتي وتتحدّثون عنّي، أن تعملوا مثله وتغفروا سبعين مرّة سبع مرّات، كما سامحتكم في كل مرّةٍ كانت أعمالكم لا تطابق أقوالكم…
انظروا إلى فوق لأنّ الله هو المحبّة التي «لا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحقّ» (1 قور 13: 6)، فتذكّروا وذكّروا ضمائركم، وأسكِتوا أصوات الكذّاب حولكم، قبل المثول يومًا أمام السماء «وجهًا لوجه» (1 قور 13: 12)، فهناك ستنظرون في جراحات القائم، جراحات قلوب مَن خُنْتُم لها الوفاء ودموعًا مريرةً سُكِبَت عندما غدرتُم بالأحبّة!