الأب جورج بريدي
في 2 أيلول 2020، عندما ناداني البابا فرنسيس للوقوف إلى جانبه مع العلم اللبناني والصلاة من أجل لبنان، فاجأني في الختام بطلبه التوجّه بكلمة أمام الكنيسة الحاضرة جمعاء. في لحظات قليلة، طلبتُ من الروح القدس أن يتحدّث بلساني عن حال ما سمعته ورأيته من مآسي شعبي وأهلي وأحبّائي، فلم أستطع إلا قول الحقيقة الآتية:
-لا يمكننا الاستمرار بالعيش في وطننا بسبب ما وصلنا إليه.
-عدد طلبات الهجرة، وبخاصّة من المسيحيين، ومن شبابنا تخطّت مئات الآلاف.
-إننا بحاجة ماسّة لمساعدة الحبر الأعظم والمجتمع الدولي للخروج ممّا نمرّ به.
كان بإمكاني قول: “لماذا ومَنْ أوصلنا إلى هذا الوضع المأساوي” إلا أنّني احترمتُ وقوفي (عن غير استحقاق) أمام رأس الكنيسة.
يا قداسة الحبر الأعظم، مع إيماننا وثقتنا باللّه وبأنّه سيّد أرضنا الوحيد، وبأنّ وطن القدّيسين لن تقوى عليه يد الشرّ، إلّا أنّه “كلا، لسنا بخير!”
فأنا بذاتي أرى أهلي وأهل رفاقي يبكون كلّ يوم لعدم تأمينهم الحاجات اليوميّة البسيطة لعائلاتهم…
أرى رفاقي جميعهم، منهم من هاجر، ومنهم مَنْ يبحث عن أيّة وسيلة ممكنة للرحيل…
أنا قد سمعتُ ورأيتُ صرخات شعبي في الطرقات ينادي بضرورة وجود “دولة مسؤولة” عن شعبها في وجه الفساد المسيطر…
أنا ما زلتُ أسمع وأرى أمّهات وأشقاء ضحايا انفجار الرابع من آب، وما يعانونه فوق آلامهم المرّة على فقدان أحبّائهم.
أنا وأهلي وأقربائي وشعبي (إلا مَن يريدون عيش النكران) نعيش يوميًّا بدون كهرباء، ولا محروقات للتدفئة، وفقدان الأدوية وتدهور القطاع الطبي، والغلاء المستمرّ، وانعدام فرص العمل، والأجور الرخيصة التي جعلت منّا “شحّاذين” لكلّ شيء أمام الجميع.
يا قداسة الحبر الأعظم، لقد قلتَ بذاتك أمام السلك الدبلوماسي في حاضرة الفاتيكان “إنّ لبنان في خطر فقدان هويّته”، إدراكاً منكَ أنّ وضع المسيحيين اللبنانيين الذين شكّلوا كيان بلدهم وأساسه هو وضعٌ مهدّد بالبقاء في أرضه.
يا قداسة الحبر الأعظم، أرجو أن تستمع إلى أهالينا،
إلى أهالي ضحايا الرابع من آب،
إلى الآباء الذين يبكون على شاشات التلفزة لعدم تمكّنهم من شراء الطعام والدواء،
إلى ذوي الاحتياجات الخاصّة والمرضى والعجزة الذين يعيشون الإذلال بسبب انعدام المسؤوليّة في دولتنا.
كلا، لبنان، ومسيحيّو لبنان ليسوا على ما يرام، حتّى ولو أنّ قسمًا منهم ما زال يعيش في نكران الواقع وعبادة زعيمه وتأليهه للأسف الشديد.
قداسة الحبر الأعظم، الشعب اللبناني يحبّك كثيرًا، وقد كنتَ أوّل من وقف بجانبه بعد انفجار مرفأ بيروت الرهيب. أوصلتَ الصوت إلى العالم أجمع في حين كان الشعب متروكًا تمامًا من دولته، والرؤساء والمسؤولون والمسيطرون على الدولة يتفرّجون بأعصاب باردة.
قداسة البابا فرنسيس، أنتَ تدعونا مرارًا، ككهنة ورعاة شعب اللّه أن نقف إلى جانبه، أن نذهب إلى الأطراف، أن نخرج من قوقعتنا وأن تكون علينا “رائحة القطيع”… لأجل هذا أتجرأ اليوم وأقول “الحقيقة” كما هي… صلِّ من أجل شعبنا المتألّم، وبخاصة من أجل المسيحيين في هذا الوطن الذين لا حامي لهم إلا سيّدنا وإلهنا ومخلّصنا الوحيد يسوع المسيح.