غيتا مارون
مع مريم العذراء، حملت قلبها المكلّل بالأشواك، وسجدت عند أقدام المصلوب، وشاركتها نزيف فؤادها عندما خطف الموت فلذة كبدها، ابنتها الحبيبة الشهيدة البطلة سحر فارس التي امتزجت دماؤها الذكيّة بتراب الوطن، وأبكى رحيلها الشعب اللبناني.
ها هي نبيهة فارس، والدة الشهيدة سحر فارس، ترتمي بين ذراعيّ أمّنا مريم، وترفع إليها رسالة حبّ أزليّ جُبلت كلماتها بدم روحها، قائلة:
“أمّي مريم، عشتُ طوال عمري تحت ظلّ حمايتك…
لقد اختبرتِ الآلام، وجُرح قلبك الغالي عندما رأيت ابنك الحبيب يسير في درب الجلجثة، ويتعرّض للجلد والصلب.
صراخه مزّق أحشاءك، وموته سرق السعادة من أعماقك.
في هذا اليوم المبارك، أطلب منك، يا أمّي أن تحفظي عائلتي وأن تفيض النعم الإلهيّة في حياة أفرادها.
ابقي دائمًا إلى جانبي ولا تتركيني كي أكمل شرب كأس الآلام…
لا تبرحي قلبي لأنك الأمّ التي تدرك معنى الأمومة الحقيقيّة… منك أتعلّم الصبر وأعزّز إيماني وأشدّد نفسي وأثق بأنك ترافقيني وتكوني إلى جانبي دائمًا.
بحقّ آلام ابنك يسوع، لا تتخلّي عنّا بل امنحينا القوّة كي نكمل مسيرتنا، وتكون سحر بين يديكِ، وتظلّ حاضرة أمام يسوع وأمامك، فأنتِ بحاجة إليها أكثر منّي”…
رسالة إلى ابنتها الحبيبة سحر
اغرورقت مقلتاها بالدموع التي لم تهجر وجنتيها منذ الرابع من آب… وحدّقت في عمق ذاتها حيث اختارت ابنتها الحبيبة ملجأها الأزليّ…
نعم! إنها ما زالت تنبض في شرايين هذا القلب الذي أثخنته سهام الشهادة… ولملمت ذكرياتها المبعثرة، وقالت:
“يا سحر، يا حبيبة قلبي، أين ستحتفلين بالفصح في هذه السنة؟ في القرية أم في مكان آخر؟
ربما اختارك الله ومريم لتكوني حاضرة في ديار الربّ لأنها أفضل من الأرض… حرقتيلي قلبي كتير يا أمّي!
بحقّ آلام يسوع، ابقي إلى جانبي ورافقيني! أعهد إليك بعائلتك…
أشتاق إليك كثيرًا!”
من ثمّ، رفعت نبيهة عينيها إلى السماء، مسكن الأبرار والقديسين، وهمست كلمات مفعمة بالرجاء، قائلة: “لم يكسر الحزن قلب مريم، بل وثقت بأن ابنها سيقوم في اليوم الثالث، ويدحرج حجر القبر، ويفدي البشريّة بدمه!”