طوني لطيف
في لحظات الانكسار، قد يشعر الإنسان بأنّه وحيد، كأنّ العالم بأسره أغلق أبوابه في وجهه. لكنه عندما يتلقّى بادرة لطف، حتى لو كانت مجرّد ابتسامة صادقة أو كلمة مشجّعة، يحسّ حينها بأنّ هناك من يراه ويهتم لأمره ويؤمن بوجوده وقيمته. هذه اللحظة قد تكون نقطة تحوُّل توقظ شرارة حبّ الحياة أو تزرع بذرة أمل تنمو في نفسه مع مرور الأيّام. بابتسامتها، جذبت القديسة تريزيا الطفل يسوع النفوس، فهي آمنت بأنّ عيش القداسة لا يتطلّب أعمالًا بطوليّة أو تضحياتٍ كبيرة، بل يمكن تحقيقه من خلال الأعمال البسيطة اليوميّة بحبٍّ وإخلاص.
«غالبًا ما تكفي بسمة أو كلمة كي نزرع حياة جديدة في روح بائسة»، تقول القديسة تريز الصغيرة. هنا تكمن مسؤوليّتنا تجاه الآخرين؛ فالكلمة الطيّبة والابتسامة والتصرّف اللطيف ليست مجرّد مجاملات، بل هي أفعال إنسانيّة تنطوي على قوّة تغييريّة. ربما نلتقي بأشخاص غارقين في الهموم من دون أن ندري، لكننا نملك القدرة على أن نكون النور الذي يبدّد ظلامهم. لذا، لنجعل اللطف عادةً، ولنكن دائمًا مصدر دفء وسلام لمن حولنا.
دعونا نتأمّل في قوّة الكلمة والابتسامة في إحياء النفوس؛ قد نستخف بتصرّفات بسيطة نقوم بها من دون وعي، مثل إلقاء تحيّة، أو تبادل بسمة، أو كلمة مشجّعة، غير مدركين أنّ هذه الأفعال قد تكون شريان حياة لشخص يعاني في صمت.
كلمات القديسة تريزيا تحمل في طيّاتها معانيَ عميقة عن التأثير الإيجابي الذي يمكن أن نحدثه في الآخرين بأبسط الوسائل. الابتسامة ليست مجرّد انحناءة بسيطة للشفاه، بل هي تعبير صادق عن اللطف والاهتمام.
أظهرت الدراسات النفسيّة أنّ الابتسامة قادرة على تقليل التوتر، ورفع المعنويّات، وحتى تحسين الصحّة النفسيّة لمن يتلقّاها. عندما يواجه شخص ما تحدّيات صعبة في حياته، قد يشعر بالعزلة واليأس، لكن مجرّد رؤية ابتسامة صادقة قد تجعله يشعر بأنّ هناك من يراه ويفهمه.
إنّ الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، ويبحث دائمًا عن إشارات تؤكد أنّه ليس وحيدًا، والابتسامة هي إحدى تلك الإشارات القويّة التي تبثّ الطمأنينة في النفوس. أما الكلمة، فهي أداة قويّة قد تبني أو تهدم، قد ترفع إنسانًا من الحضيض أو تدفعه إلى الهاوية.
الكلمة الطيّبة، مهما كانت بسيطة، تحمل قدرةً هائلةً على تغيير مجرى حياة شخص آخر. تخيّل شخصًا محبطًا، يشعر بأنّ جهوده لا قيمة لها، ثم يسمع كلمات مثل: «أنا أؤمن بك»، «أنت شخص مميّز»، «لا تيأس، الآتي أجمل». هذه العبارات ليست مجرّد أحرف تُنطق، بل هي بذور أمل تزرع في أعماق النفس، عندما نضع أنفسنا مكان الآخرين، سنجد أنّنا أكثر قدرة على فهم مشاعرهم، وسنكون أكثر لطفًا وتسامحًا.
إنّ روحانيّة القديسة الطفل يسوع ألهمت كثيرين حول العالم بسبب بساطتها وعمقها في آن، وهي تُعتبر نموذجًا للقداسة في الحياة اليوميّة. فالعالم يضجّ بالتحدّيات والمآسي، لكن ما يجعله أجمل هو قدرتنا على زرع الأمل في قلوب بعضنا البعض. قد لا ندرك تأثير أفعالنا في اللحظة نفسها، لكن كل بسمة وكلمة طيّبة وتصرّف لطيف تغدو بمثابة شعاع نور يبدّد ظلام شخص آخر.
لنكن دائمًا مصدر طاقة إيجابيّة لأنّنا لا نعلم متى ستكون كلمتنا أو ابتسامتنا المنقذ الخفيّ لروح على وشك الانطفاء، فتعود إلى الحياة من جديد.
———————————————————-
اقرأ أيضًا:
«قلم غار» يوثّق إرث القديسة تريزيا الطفل يسوع رقميًّا
———————————————————-