أسرة تحرير «قلم غار»
في رسالته إلى مدينة روما والعالم بمناسبة عيد الفصح، تأمّل البابا فرنسيس اليوم في معاني القيامة، موجّهًا نظره إلى البلدان المتألمة، ولا سيّما الأراضي المقدّسة وروسيا وأوكرانيا وسواها. وخصّ لبنان بالذكر، قائلًا: «أوجّه نظري اليوم بشكل خاصّ إلى لبنان الذي تأثّر منذ فترة طويلة بتجميد عمل المؤسّسات، وبأزمة اقتصاديّة واجتماعيّة عميقة، وقد تفاقمت الآن بالأعمال العدائيّة على الحدود مع إسرائيل. ليمنح المسيح القائم من بين الأموات العزاء للشعب اللبناني الحبيب ويعضد البلد كلّه في دعوته ليكون أرض اللقاء والعيش معًا والتعدّديّة».
وجاء في رسالة البابا إلى مدينة روما والعالم بمناسبة عيد الفصح ما يأتي:
أيّها الإخوة والأخوات، عيد فصح مجيد!
يتردّد اليوم صدى البشرى التي انطلقت من القدس قبل ألفي عام في جميع أنحاء العالم: «يَسُوعَ النَاصِرِيِّ الذِي كَانَ مَصْلُوبًا. لَقَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ!» (مرقس 16: 6)، وتعيش الكنيسة من جديد دهشة النسوة اللواتي ذهبن إلى القبر في فجر أوّل يوم من الأسبوع. كان قبر يسوع مغلقًا بحجر كبير. وهكذا، حتى اليوم، تغلق الصخور الثقيلة، الثقيلة جدًّا، آمال البشريّة: صخرة الحرب، وصخرة الأزمة في المساعدات الإنسانيّة، وصخرة انتهاكات حقوق الإنسان، وصخرة الاتّجار بالبشر، وغيرها. نحن أيضًا، مثل تلميذات يسوع، نسأل بعضنا بعضًا: «مَنْ سَيُحَرِّكُ لَنَا الحَجَرَ؟» (مرقس 16: 3).
وهذا ما نكتشفه في صباح الفصح: الحجر، ذلك الحجر الكبير، قد دُحرِج. ونُدهَش كما دُهِشَت النساء: قبر يسوع مفتوح وفارغ! ومن هنا، يبدأ كلّ شيء. بهذا القبر الفارغ تمرّ طريق جديدة، الطريق التي لم يتمكّن أحد منّا من أن يفتحها، الله وحده فتحها: طريق الحياة في وسط الموت، وطريق السلام في وسط الحرب، وطريق المصالحة في وسط الكراهية، وطريق الأُخُوَّة في وسط العداوة.
أيّها الإخوة والأخوات، لقد قام يسوع المسيح، وهو وحده القادر على دحرجة الحجارة التي تسُدُّ طريقنا إلى الحياة. بل هو نفسه، الحيّ، هو الطريق: الطريق إلى الحياة، والسلام، والمصالحة، والأُخُوّة. إنّه يفتح لنا الطريق المستحيل في نظر الناس لأنّه وحده يرفع خطيئة العالم ويغفر خطايانا. وبدون مغفرة الله، لا يمكن إزالة ذلك الحجر. بدون مغفرة الخطايا، لا يمكن أن نخرج من الانغلاقات، والأحكام المسبقة، والتهم المتبادلة، والادّعاءات التي تُبرئ الذات دائمًا وتتّهم الآخرين. يسوع المسيح القائم من بين الأموات، يمنحنا هو وحده مغفرة الخطايا، ويفتح الطريق إلى عالم جديد.
هو وحده يفتح لنا أبواب الحياة، الأبواب التي نغلقها دائمًا بالحروب التي تنتشر في جميع أنحاء العالم. اليوم، نوجّه أنظارنا أوّلًا وقبل كلّ شيء إلى القدس المدينة المقدّسة، الشاهدة لسرّ آلام وموت وقيامة يسوع، وإلى جميع الجماعات المسيحيّة في الأرض المقدّسة.
أفكاري تتوجّه قبل كلّ شيء إلى ضحايا الصراعات العديدة التي تدور في العالم، بدءًا بالصراعات في إسرائيل وفلسطين، وحتى أوكرانيا. ليفتح المسيح القائم من بين الأموات طريق السلام للسكان المعذّبين في هذه المناطق. أدعو إلى احترام مبادئ القانون الدولي، وآمل أن يتمّ تبادل عام لجميع الأسرى بين روسيا وأوكرانيا: الكلّ مقابل الكلّ!
علاوة على ذلك، أدعو مرّة أخرى إلى ضمان إمكانيّة وصول المساعدات الإنسانيّة إلى غزّة، وأحضّ مرّة أخرى على الإفراج الفوري عن الرهائن المختطفين في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر ووقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزّة.
لا نسمح للأعمال العدائيّة الجارية بأن تستمرّ بتداعياتها الخطيرة على السكان المدنيّين المنهكين، وخاصّة على الأطفال. كم من المعاناة نرى في عيونهم: لقد نسي هؤلاء الأطفال أن يبتسموا في أراضي الحرب! بأعينهم يسألوننا: لماذا؟ لماذا كلّ هذا الموت؟ لماذا كلّ هذا الدّمار؟ الحرب دائمًا لا معنى لها وهي هزيمة! ولا نسمح لرياح الحرب العاتية بأن تهبّ على أوروبا والبحر الأبيض المتوسّط. لا تستسلموا لمنطق السلاح وإعادة التسلّح. لن يُبْنَى السلام أبدًا بالأسلحة، بل بمدّ الأيدي وفتح القلوب.
أيّها الإخوة والأخوات، لا ننسى سوريا التي تعاني من عواقب حرب طويلة ومدمّرة منذ ثلاثة عشر عامًا. الموتى الكثيرون، والمفقودون والفقر الكثير والدمار، كلّ ذلك ينتظر إجابات من الجميع، بما في ذلك المجتمع الدولي.
وأوجّه نظري اليوم بشكل خاصّ إلى لبنان الذي تأثّر منذ فترة طويلة بتجميد عمل المؤسّسات، وبأزمة اقتصاديّة واجتماعيّة عميقة، وقد تفاقمت الآن بالأعمال العدائيّة على الحدود مع إسرائيل. ليمنح المسيح القائم من بين الأموات العزاء للشعب اللبناني الحبيب ويعضد البلد كلّه في دعوته ليكون أرض اللقاء والعيش معًا والتعدّديّة.
أتوجّه بفكر خاصّ إلى منطقة غرب البلقان، حيث تُتَّخَذُ اليوم خطوات مهمّة نحو الاندماج في المشروع الأوروبي: لا تكُنْ الاختلافات العرقيّة والثقافيّة والطائفيّة سببًا للانقسام، بل لتكن مصدر إغناء لأوروبا كلّها وللعالم أجمع.
وبالمثل، أشجّع المحادثات بين أرمينيا وأذربيجان، حتى يتمكّنوا، بدعم من المجتمع الدولي، من مواصلة الحوار، ومساعدة النازحين، واحترام أماكن العبادة لمختلف الطوائف الدينيّة، والتوصّل إلى اتفاق سلام نهائي في أقرب وقت ممكن.
ليفتح المسيح القائم من بين الأموات درب الرجاء للأشخاص الذين يعانون في أجزاء أخرى من العالم من العنف والصراعات وانعدام الأمن الغذائي، فضلًا عن آثار تغيّر المناخ. ليمنح العزاء لضحايا كلّ أنواع الإرهاب. نصلّي من أجل الذين فقدوا حياتهم، ونسأل الله أن يمنح التوبة والهداية لمرتكبي هذه الجرائم.
ليساعد المسيح القائم من بين الأموات شعب هاييتي لكي يتوقّف فيه، في أقرب وقت ممكن، العنف الذي يمزّق البلاد ويُدميها، ولكي تتمكّن من التقدّم على طريق الديمقراطيّة والأخُوّة.
ليرحَمْ ويشدِّدْ شعب الروهينجا الذين يعانون من أزمة إنسانيّة خطيرة، وليفتح طريق المصالحة في ميانمار التي مزّقتها سنوات من الصراعات الدّاخليّة، حتى يُترَكَ نهائيًّا كلّ منطق للعنف.
ليفتح الربّ يسوع مسارات للسلام في القارة الأفريقيّة، وخاصّة للسكان المعذَّبين في السودان وفي منطقة الساحل بأكملها، وفي القرن الأفريقي، وفي منطقة كيفو في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة، وفي مقاطعة كيب ديلجادو في موزمبيق، وليوقف حالة الجفاف التي طالت مدّتها، والتي تؤثّر على مناطق واسعة وتتسبّب في المجاعة وقلّة الغذاء.
ليُشرق المسيح القائم من بين الأموات بنوره على المهاجرين، والذين يمرّون بفترة اقتصاديّة صعبة، ويمنحهم الراحة والرجاء عندما تضيق بهم الحال. وليُرشد المسيح جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة إلى الاتّحاد في التضامن، لمواجهة التحديات الكثيرة التي تلوح في الأفق أمام أشدّ العائلات فقرًا، في بحثها عن السعادة وعن حياة أفضل.
في هذا اليوم الذي نحتفل فيه بالحياة التي أعطيت لنا بقيامة الابن، لنتذكّر حبّ الله اللامتناهي لكلّ واحد منّا: حبًّا يفوق كلّ حدٍّ وكلّ ضعف. ومع ذلك، كم تُحْتَقَرُ في كثير من الأحيان هبة الحياة الثمينة. كم من الأطفال لا يستطيعون حتى رؤية النور؟ وكم عدد الذين يموتون من الجوع أو يُحْرَمون من الرعاية الأساسيّة أو هم ضحايا الاستغلال والعنف؟ كم عدد الأرواح التي يتمّ تسويقها في سوق الاتّجار بالبشر الذي ما زال يتسع ويزداد؟
أيّها الإخوة والأخوات، في اليوم الذي حرّرنا فيه المسيح من عبوديّة الموت، أحضّ أصحاب المسؤوليّات السياسيّة حتى لا يدّخروا جهدًا في مكافحة آفة الاتّجار بالبشر، والعمل بلا كلل لتفكيك شبكات الاستغلال، ومنح الحرّيّة لضحاياها. ليمنح الربّ يسوع العزاء لعائلاتهم، وخاصّة الذين ينتظرون بألم وقلق أخبار أحبّائهم، وليمنحهم السند والرجاء.
ليُضِئ نور القيامة عقولنا ويبدِّل قلوبنا، ويجعلنا ندرك قيمة كلّ حياة بشريّة، والتي يجب أن نستقبلها ونحميها ونحبّها.
عيد فصح مجيد للجميع!