أسرة تحرير «قلم غار»
بعنوان «مرسلو رجاء بين الشعوب»، نُشرت اليوم رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي التاسع والتسعين للرسالات. شدّد الأب الأقدس في رسالته على ضرورة أن يكون المؤمنون رسلًا وبناةً للرجاء، مؤكدًا أهمّية الصلاة في العمل الرسولي. وشجّع الجميع على المشاركة في إعلان بشارة الإنجيل، بشهادة حياتهم وصلواتهم وتضحياتهم وكرمهم، وتجديد الروحانيّة الفصحيّة.
وجاء في رسالة البابا فرنسيس ما يأتي:
في مناسبة يوم الرسالات العالمي وفي سنة اليوبيل 2025 الذي شعاره الرجاء (راجع مرسوم الدعوة إلى اليوبيل العادي، الرجاء لا يُخَيِّبُ، 1)، اخترت هذا الشعار: «مرسلو رجاء بين الشعوب». فهو يذكّر المسيحيين، الأفراد والكنيسة، جماعة المعمّدين، بدعوتهم الأساسيّة: أن يكونوا، على خطى المسيح، رسلًا وبناة للرجاء. أتمنّى للجميع زمن نعمة مع الله الأمين الذي ولدنا ثانية في المسيح القائم من بين الأموات «لِرَجاءٍ حَيٍّ» (1 بطرس 1: 3-4). وأريد أن أذكّر ببعض الجوانب المهمّة لهويّة الرسالة المسيحيّة لكي نسمح لروح الله بأن يقودنا، ونتَّقد بغيرة مقدّسة من أجل زمن جديد للبشارة بالإنجيل في الكنيسة، المرسلة لإحياء الرجاء في عالم يرزح تحت ظلام كثير (راجع رسالة بابويّة عامّة، كلّنا إخوة، 9-55).
1. على خطى المسيح رجائنا
بينما نحتفل باليوبيل العادي الأوّل في الألفيّة الثالثة بعد يوبيل سنة 2000، لنثبِّت نظرنا محدِّقين في المسيح الذي هو مركز التاريخ، و«هو هو أَمْسِ واليَومَ ولِلأَبَد» (عبرانيين 13: 8). فقد أعلن في مجمع الناصرة تحقيق الكتب المقدّسة في «يوم» حضوره التاريخي. وهكذا، أظهر نفسه على أنّه المُرسَل من الآب بمسحة الروح القدس ليحمل بشرى ملكوت الله ويعلن: «سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَبّ» (لوقا 4: 16-21) لكلّ البشريّة.
في هذا «اليوم» الروحي الباقي حتى نهاية العالم، المسيح هو متمِّم الخلاص للجميع، ولا سيّما للذين رجاؤهم الوحيد هو الله. فهو، في حياته الأرضيّة، «مَضى مِن مَكانٍ إِلى آخَر يَعمَلُ الخَيرَ ويُبرِئُ جَميعَ الذينَ استَولى علَيهم إِبليس» (أعمال الرسل 10: 38)، فأعاد إلى المحتاجين والشعب الرجاء في الله. وكذلك، اختبر كلّ الضعف البشري، ما عدا الخطيئة، ومرّ أيضًا بلحظات بالغة الشدّة يمكن أن تقود إلى اليأس، كما في بستان الجسمانيّة وعلى الصليب. ومع ذلك، أَوكل يسوع كلّ شيء إلى الله الآب، فأطاع بثقة كاملة لمخطّطه الخلاصي من أجل البشريّة، وهو مخطّط سلام لمستقبل مليء بالرجاء (راجع إرميا 29: 11). وهكذا، صار مُرسَل الرجاء الإلهي، النموذج الأسمى لجميع الذين يحملون عبر العصور، حتى في أصعب المِحَن، الرسالة التي تسلّموها من الله.
الربّ يسوع يستمرّ في خدمته رسولًا للرجاء للبشريّة بواسطة تلاميذه، المرسلين إلى جميع الشعوب ويرافقهم هو بصورة سرّيّة. فهو ينحني اليوم أيضًا على كلّ إنسان فقير أو متألّم أو محبط أو الذي غلبه الشرّ، ليصبّ «على جراحه زيت العزاء وخمر الرجاء» (مقدمّة الصلاة الإفخارستيّة، يسوع السامري الرحيم). والكنيسة، جماعة تلاميذ المسيح المرسلين، المطيعة لربِّها ومعلِّمها، وبروحه نفسها في الخدمة، تواصل هذه الرسالة، وتُقدِّم حياتها بين الشعوب للجميع. ورغم ما تواجهه، من جهة، من اضطهادات، وضيقات، وصعاب، ومن جهة أخرى، من عيوب وسقطات بسبب ضعف أعضائها، تدفعها محبّة المسيح دائمًا لتسير متّحدة به في هذه المسيرة الإرساليّة، ولتستقبل، مثله ومعه، صرخة البشريّة، بل أنين كلّ الخليقة في انتظار الفداء النهائي. هذه هي الكنيسة التي يدعوها الربّ يسوع دائمًا إلى أن تسير على خطاه: «لا كنيسة ثابتة في مكانها، بل كنيسة مُرْسَلَة، تسير مع الربّ يسوع في طرقات العالم» (عظة في القداس الإلهي في ختام الجمعيّة العامّة العاديّة لسينودس الأساقفة، 27 تشرين الأوّل 2024).
لهذا لنشعر بأنّ الله يلهمنا نحن أيضًا لننطلق في مسيرة على خطى الربّ يسوع، لكي نصير معه وفيه علامات ورسل رجاء للجميع، في كلّ مكان وظرف يمنحنا الله أن نعيش فيه. ليشعّ جميع المعمّدين، تلاميذ المسيح المرسلين، رجاء الربّ يسوع في كلّ زاوية من الأرض.
2. المسيحيّون، حاملو الرجاء وبُناتُه بين الشعوب
المسيحيّون، باتّباعهم المسيح الربّ، مدعوّون إلى أن يحملوا البشرى بمشاركتهم ظروف الحياة الواقعيّة للذين يلتقون بهم، فيصيرون بذلك حاملي الرجاء وبُناتَه. في الواقع، «آمال بشرِ اليوم وأفراحهم، وأحزانهم وضيقاتهم، ولا سيّما الفقراء وجميع المتألّمين، هي أفراحُ تلاميذِ المسيح وآمالُهم، وهي أحزانُهم وضيقاتهم، ولا شيء إنساني حقًّا إلا وله صداه في قلوبهم (دستور رعائي، الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء، 1).
هذا القول المعروف للمجمع الفاتيكان الثّاني الذي يعبّر عن شعور الجماعات المسيحيّة ونهج حياتها في كلّ عصر، لا يزال يُلهِم أعضاءها ويساعدهم على السير مع إخوتهم وأخواتهم في العالم. أفكّر بصورة خاصّة فيكم، أيّها المرسلون والمرسلات إلى الأمم، الذين تبعتم دعوة الله، وذهبتم إلى شعوب أخرى لتعريفهم بمحبّة الله في المسيح. شكرًا لكم من القلب! حياتكم هي جواب عمليّ لدعوة المسيح القائم من بين الأموات، الذي أرسل تلاميذه ليبشّروا جميع الشعوب (راجع متى 28: 18-20). وهكذا، تذكّروننا بدعوة جميع المعمّدين ليصيروا، بقوّة الروح القدس وبالتزام يومي، مرسلين بين الشعوب تحملون إليهم الرجاء الكبير الذي منحنا إيّاه الربّ يسوع.
أفق هذا الرجاء يتجاوز واقع هذه الدنيا الزائلة وينفتح على الحقائق الإلهيّة التي نتذوّقها منذ الآن في الحاضر. في الواقع، كما قال القديس البابا بولس السادس، الخلاص في المسيح الذي تقدّمه الكنيسة للجميع عطيّةً من رحمة الله، ليس فقط «خلاصًا يتناسب مع الاحتياجات المادّية أو الروحيّة التي… تتماهى مع الرغبات والآمال والانشغالات والكفاحات الزمنيّة، بل هو أيضًا خلاص يتجاوز كلّ هذه الحدود ليتحقّق في شركة مع المطلق الوحيد، وهو الله: إنّه خلاص فائق لآخر الأزمنة، يبدأ بالتأكيد في هذه الحياة لكنه يكتمل في الأبديّة» (الإرشاد الرسولي، البشارة بالإنجيل، 27).
إذا انتعَشَتْ بهذا الرجاء الكبير، يمكن للجماعات المسيحيّة، أن تكون علامات لإنسانيّة جديدة في عالم يُظهر في أكثر القطاعات «تطوّرًا» أعراضًا خطيرة لأزمة في الإنسانيّة: فهناك شعور كبير بالضياع، والوِحدة وإهمال كبار السنّ، والصعوبة في وجود من يقدّم المساعدة للذين يعيشون بقربنا. في أكثر الدول تقدّمًا تكنولوجيًّا، يزداد القرب والمودّة غيابًا: كلّنا مترابطون في ما بيننا، ولكن لا توجد بيننا علاقة. السعي نحو الفعاليّة والإنتاج والتمسّك بالأشياء وبالطموحات يدفعنا إلى أن ننغلق على أنفسنا ونكون غير قادرين لأن نخدم الآخرين. إنّ عيش الإنجيل في جماعة المؤمنين، يمكن أن يُعيد إلينا إنسانيّتنا كاملة وسليمة ومفتداة.
لذلك، أجدّد الدعوة إلى تنفيذ الأعمال التي أشرت إليها في مرسوم الدعوة إلى اليوبيل (الأرقام 7-15)، مع اهتمام خاصّ بالفقراء، والضعفاء، والمرضى، والمسنّين، والمهمّشين من المجتمع المادّي والاستهلاكي. وأن يتمّ عمل ذلك بأسلوب الله: بالقرب، والرحمة، والحنان، والاهتمام بالعلاقة الشخصيّة مع الإخوة والأخوات في ظروفهم العمليّة (راجع الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 127-128).
إذّاك، سيكونون هم من يعلّموننا مرارًا أن نعيش برجاء. ويمكننا بالاتصال الشخصي أن ننقل محبّة قلب الله الرحيم. وسنختبر أنّ «قلب المسيح… هو النواة الحيّة للبشارة الأولى» (رسالة بابويّة عامّة، لقد أحَبَّنا، 32). في الواقع، إن استقينا من هذا المصدر، يمكننا أن نقدّم، ببساطة، الرجاء الذي قبلناه من الله (راجع 1 بطرس 1: 21)، ونحمل إلى الآخرين التعزية نفسها التي يعزّينا الله بها (راجع 2 قورنتس 1: 3-4). يريد الله أن يتكلّم إلى قلب كلّ إنسان، في قلب يسوع الإلهي والإنساني، ويجذب الجميع إلى محبّته. «نحن مدعوّون إلى أن نكمل هذه الرسالة: أن نكون علامة لقلب المسيح ولمحبّة الآب، ونعانق العالم كلّه» (كلمة إلى المشاركين في الجمعيّة العامّة للجمعيّات البابويّة للرسالات، 3 حزيران 2023).
3. تجديد رسالة الرجاء
أمام الضرورة الملحّة لرسالة الرجاء اليوم، تلاميذ المسيح مدعوّون أوّلًا إلى أن يُكوِّنوا أنفسهم ليصيروا «بُناةَ» رجاء ومرمِّمِين لإنسانيّة ممزّقة وتاعسة غالبًا.
لهذا، يجب أن نجدّد فينا الروحانيّة الفصحيّة التي نعيشها في كلّ احتفالٍ إفخارستي، وخاصّة في الثلاثيّة الفصحيّة التي هي مركز وقمّة السنة الليتورجيّة. نحن مُعمَّدون في موت المسيح الفادي وقيامته، وفي فصح الربّ يسوع الذي هو ربيع التاريخ الأبدي. إذن، نحن «أهل الربيع»، ونظرتنا مفعمة دائمًا بالرجاء لكي نشاركها مع الجميع لأنّنا في المسيح «نؤمن ونعرف أنّ الموت والكراهية ليس لهما الكلمة الحاسمة» في حياة الإنسانيّة (راجع المقابلة العامّة في دروس التعليم المسيحي، 23 آب 2017). لذلك، من الأسرار الفصحيّة التي تتحقّق في الاحتفالات الليتورجيّة والأسرار المقدّسة، نستمدّ باستمرار قوّة الروح القدس بالغيرة، والإصرار، والصبر، للعمل في حقل إعلان البشارة الواسع في العالم. «يسوع القائم من بين الأموات والمُمَجَّد هو مصدر رجائنا العميق، ولن يحرمنا أبدًا مساعدته في تتميم الرسالة التي عَهدَ بها إلينا» (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 275). فيه نحيا ونشهد لهذا الرجاء المقدّس الذي هو «عطيّة لكلّ مسيحي ومهمّة موكولة إليه» (الرجاء نورٌ في الليل، حاضرة الفاتيكان 2024، 7).
مرسلو الرجاء هم رجالُ صلاة ونساءُ صلاة لأنّ «الإنسان الذي يرجو هو إنسان يصلّي»، كما أكد الكاردينال الموقّر فان ثوان (Van Thuan) الذي حافظ على رجائه حيًّا في محنته الطويلة في السجن بالقوّة التي كانت تأتيه من صلاته المستمرّة ومن الإفخارستيا (راجع فرانسوا خافيير نجويين فان ثوان F.X. Nguyen Van Thuan، مسيرة الرجاء، روما 2001، رقم 963). لا ننسى أنّ الصّلاة هي أوّل عمل في الرسالة، وهي أيضًا «القوّة الأولى التي تسند الرجاء» (المقابلة العامّة في دروس التعليم المسيحي، 20 أيّار 2020).
لذلك، لنجدّد رسالة الرجاء انطلاقًا من الصلاة، بخاصة الصلاة مع كلمة الله، وبالأخصّ المزامير، التي هي سيمفونيّة صلاة كبيرة ومؤلّفها هو الروح القدس (راجع المقابلة العامّة في دروس التعليم المسيحي، 19 حزيران 2024). المزامير تعلّمنا أن نقوّي رجاءنا في الشدائد، وأن نميّز ونتعرّف على علامات الرجاء، وأن تكون فينا الرغبة «الإرساليّة» الدائمة في أن يُمَجَّد الله في كلّ الشعوب (راجع المزمور 41، 12؛ 67: 4). عندما نصلّي، نُبقي شعلة الرجاء التي أشعلها الله فينا، حتى تصير نارًا كبيرة، تُنير وتدفئ جميع الذين حولنا، بأعمال وتصرّفات عمليّة أيضًا، مستوحاة من الصلاة نفسها.
أخيرًا، البشارة بالإنجيل هي دائمًا عمليّة جماعيّة، مثل طابع الرجاء المسيحي (راجع بنديكتوس السادس عشر، رسالة بابويّة عامّة، بالرجاء مخلَّصون، 14). هذه العمليّة لا تنتهي بالبشارة الأولى والمعموديّة، بل تستمرّ مع بناء الجماعات المسيحيّة، بمرافقة كلّ معمّد في مسيرته على طريق الإنجيل. في المجتمع الحديث، الانتماء إلى الكنيسة ليس أمرًا مُكتسبًا مرّة واحدة وإلى الأبد. لذلك، العمل الإرسالي في نقل وتكوين الإيمان الناضج في المسيح هو «نَهجُ كلّ مهمّة في الكنيسة» (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 15)، وهو مهمّة تتطلّب شركة في الصلاة والعمل. أؤكد أيضًا سينوديّة رسالة الكنيسة هذه، وأيضًا خدمة الجمعيّات البابويّة للرسالات في تعزيز المسؤوليّة الإرساليّة للمعمّدين، ودعم الكنائس المحلّية الجديدة. وأحضّكم جميعًا، أطفالًا، وشبابًا، وبالغين، وكبارًا في السنّ، على أن تشاركوا بشكلٍ فعّال في رسالة إعلان بشارة الإنجيل المشتركة، بشهادة حياتكم، وصلواتكم، وتضحياتكم، وكرمكم. أشكركم من قلبي على ذلك!
أيّها الإخوة وأيّتها الأخوات الأعزّاء، لنتوجّه إلى مريم، أمّ يسوع المسيح رجائنا. لنوكل إليها أمنياتنا من أجل هذا اليوبيل ومن أجل السنوات المقبلة: «لِيَصِل نور الرجاء المسيحي إلى كلّ إنسان، رسالة محبّة الله الموجَّهة إلى الجميع! ولتكن الكنيسة شاهدة أمينة لهذا الإعلان في كلّ أنحاء العالم!» (مرسوم الدعوة إلى اليوبيل العادي، الرجاءُ لا يُخَيِّبُ، 6).
———————————————————-
لمن يرغب في قراءة المزيد من التفاصيل، الرجاء زيارة المواقع الآتية:
فاتيكان نيوز: البوابة الإخباريّة الرسميّة للفاتيكان
فاتيكان فا: الموقع الرسمي للكرسي الرسولي
بوليتينو: النشرة الرسميّة للفاتيكان والكرسي الرسولي