غيتا مارون
دعاء حمصي فرح، عملت في الإعلام المسموع على مدى 39 عامًا، تخبر “قلم غار” عن مسيرة مفعمة بالتسليم لمشيئة الله في كل مراحل حياتها.
عندما فُتحت أبواب جديدة…
“ترعرعت في كنف أسرة مسيحيّة أرثوذكسيّة، وتعلّمت في مدارس كاثوليكيّة.
في أغلب الأحيان، يلجأ الإنسان إلى ربّه عندما تشتدّ الأزمات، ليس لأنه لا يشعر بوجوده إلا في وقت الشدّة، بل لأنه يحتاج إلى الهدوء والتأمّل ليتجنّب لحظات الانفعال كي لا يجنح نحو أفعال غير مدروسة”، تقول دعاء.
“كنت أشعر دومًا بوجود راعٍ إلى جانبي…
أبواب عدّة أٌغلقت في وجهي، فحزنت، وبكيت… رغبتُ في تحقيق أمور كثيرة لكنها لم تبصر النور، فسألتُ نفسي عن السبب وعاتبتُ ربّي أحيانًا، علمًا بأنني أدرك عمق محبّته وتسامحه وجهوزيّته للإصغاء.
لمستُ حضور الربّ عندما فُتحت أبواب جديدة في وجهي، فعرفتُ مساوئ الخيارات التي جاهدتُ للوصول إليها، وتأكدت أن مشيئة الله هي الأفضل دائمًا”.
خسارة توأمي أغرقني في الحزن
وتخبر دعاء عن ألم شديد سكن قلبها: “أغرقتني خسارة توأمي في حزن شديد… سألتُ الله: لماذا منحتني هذه الهديّة واسترجعتها؟
كان من الصعب الخروج من حالة الحداد على طفلتيّ ونفق الحزن الداخلي العميق، لكنني سمعت صوته يقول لي: ستُستجاب صلواتك!
لقد أنعم الربّ عليّ بفتاة وصبيّ، وكأنه يقول لي: هأنذا أعوّض عليك خسارتك!
وكأنه يذكّرني بعهد الحبّ بين الله والإنسان، فهو خالق الجميع”.
ما لم أجد له جوابًا حتى الساعة…
تغمض دعاء عينَيْها محاولة استرجاع حضور أحبّ الأشخاص على قلبها، أختها “سيّدة القانون” إيمان حمصي، الرائدة في العزف على آلة القانون التي غابت عن عمر يناهز 45 عامًا، وتغرورق مقلتاها بالدموع، وتتابع قائلة: “ما لم أجد له جوابًا حتى الساعة هو الامتحان الكبير الذي سمح الله لي بعبوره… عندما فقدت أحبّ الأشخاص على قلبي… خسرت شقيقتي إيمان في ريعان شبابها وتألقها…
لم أتمكن من اجتياز هذا الاختبار… لماذا رحلت باكرًا؟ ما الحكمة من رحيلها؟
رحلت شقيقتي الغالية سيّدة القانون إيمان في أوج تألقها… لطالما سألته عن سبب غيابها…
كانت إيمان السند الحقيقي، ولم تبخل على أحد بالمساعدة والدعم في لحظات الانحناء والضعف.
جرحني غيابها، وما زلت أعاتب الله من حين إلى آخر… لماذا رحلت باكرًا؟ لماذا لم تبقَ معنا لتفرح بنجاحاتها في عالم الموسيقى، وتسعد بوجود أحبّائها إلى جانبها؟
كانت الحياة تليق بها…
أعرف في عمق ذاتي أننا كمسيحيّين نؤمن بالرجاء والقيامة… لكن غياب أختي فتّت قلبي”.
كلمات إيمان الأخيرة
وتضيف دعاء: “كانت إيمان تردّد قبل رحيلها أمام عائلتها أن الموت لا شيء، بل هو انتقال من غرفة إلى أخرى…
ما زالت كلماتها الأخيرة تسكن فؤادي: إيّاكم والبكاء! دعوا الابتسامة تزيّن وجوهكم واذكروني في أحاديثكم كأنني بينكم، وأحبّوا الحياة دومًا!
أفتقدها، وأشتاق إليها… عزفها يعزّيني…
عندما أصغي إلى معزوفاتها، أشعر بقرب المسافة بين الأرض والسماء.
لقد أعطاها الله المفاتيح للصعود وتسبيح الله ومناجاته من خلال أعمالها الموسيقيّة…
لقد تشاطرت تقاليد كل الطوائف المسيحيّة، رافعة الصلاة إلى الله، على حدّ قول القديس أغوسطينوس: من ينشد جيّدًا يصلّي مرّتين.
أرى إيمان في ابنتيها سارة وتاليا… تحملان ملامحها وعطر قلبها…
لم يخفت بريق أختي بعد 8 سنوات على رحيلها، ولن يطوي الزمن فصل قصّتها لأنها تركت بصمتها في تاريخ الموسيقى”…
وتلملم دعاء نفسها المبعثرة، وتتوجّه إلى أختها بالقول: “إيمان… اشتقت إليك كثيرًا، وستظلين حاضرة عبر موسيقاك والإرث الغنيّ الذي تركته لنا…
على الرغم من الألم الذي يسكن أعماقنا، أثق بقدرة الإيمان على تشديد نفوسنا، وإنارة حياتنا”…
أشكر الله على عطاياه
وترفع دعاء الشكر إلى الربّ قائلة: “أحمد الله على كل عطاياه، ولا سيّما نعمة الصبر في وجه الصعاب، وأشكره على أثمن نعمه، أولادي الخمسة، وأرجوه أن ينير دروبهم ويبقى دومًا راعيًا لهم”.