غيتا مارون
راهبة جذبها صوت يسوع المسيح من أقاصي الأرض، فتركت كل شيء وتبعته.
نثرت حبّه أينما حلّت، فجسّدت وجه إلهها الحبيب في حياة الأطفال والنساء الطاعنات في السنّ.
ابتسامتها الدائمة تُعرِّف عنها، واندفاعها للعطاء والمساعدة والخدمة يضيء مشاعل المتألمين والتائهين في ظلمات الحياة.
وجدت في القديستين مرتا والأمّ تريزا دي كالكوتا مصدر إلهامٍ لمسيرتها، فاستقت من روحانيّتهما زادًا غذّى دعوتها، وحملت طيب المسيح من الهند إلى إيطاليا ولبنان.
إنّها الأخت الهنديّة تانغاما كاريبوكاتيل التي تخبر «قلم غار» عن مسيرة عابقة بالحبّ والعطاء واحتضان الأكثر ضعفًا.

ولادة الدعوة للتكرُّس
نشأت الأخت تانغاما في مدينة كاليكوت بولاية كيرالا الهنديّة، وسط عائلة مسيحيّة مؤمنة مكوّنة من خمسة أولاد. لطالما جذبتها مسيرة القديسة الأمّ تريزا دي كالكوتا، فتاقت إلى خدمة الفقراء ومنح الأطفال المحرومين حضنًا دافئًا يشبه قلب يسوع المسيح.
منذ سنّ الخامسة عشرة، شعرت الأخت تانغاما بنداءٍ يهمس في قلبها. مع مرور السنوات، تعرّفت إلى رهبنة القديسة مرتا، فانضمّت إليها، وبقيت في الهند نحو 12 عامًا، وتعلّمت اللغة الإيطاليّة. بعدها، انتقلت إلى إيطاليا حيث قضت حوالى 3 سنوات.

لبنان ينفض غبار الحرب
بعد انتهاء الحرب اللبنانيّة، وصلت الأخت تانغاما إلى لبنان المثقل بالجراح، حيث المنازل مهدّمة، والبنى التحتيّة متهالكة، والتيار الكهربائي مقطوع، والمياه غير متوفرة. لم تكن التحدّيات سهلة، فإلى جانب قسوة الظروف المعيشيّة، واجهت صعوبة في التكيّف مع اللغة العربيّة إلا أنّ إيمانها الراسخ جعلها ترى في كل محنة فرصة للنموّ الروحي والخدمة. بقيت في لبنان 12 عامًا، ثم عادت إلى إيطاليا حيث انكبّت على العناية بالأطفال.

يسوع يسري في عروقها
عن علاقتها بيسوع المسيح، تقول الأخت تانغاما: «يسوع هو حياتي وسبب وجودي. هو حاضني ومرافقي في كل المراحل الصعبة. بيديه قادني، وإليه وجّهني».
حبّ الأزهار
لطالما عشقت الأخت تانغاما الطبيعة، ووجدت في الأزهار صورةً مصغّرةً عن البشر. تشرح: «الأزهار عالمٌ ساحر؛ كل زهرة فريدة ومميّزة، كما كل إنسان في عين الله. الحياة تشبه حديقة تحتضن أنواعًا متعدّدة من الأزهار. وقد منحنا الله الجمال لنراه في كل شيء حتى في أبسط التفاصيل. كل شخص منا شبيه بزهرة جميلة ونادرة في حقل الربّ».

أيادٍ مجعّدة وأثر طيّب
في دير القديسة مرتا في بلدة سهيلة اللبنانيّة، وجدت الأخت تانغاما يسوع في وجوه النساء الطاعنات في السنّ اللواتي خدمتهن بمحبّة لامحدودة. كل واحدة منهن تركت أثرًا طيّبًا في قلبها. تقول: «لطالما ركّزت على الجوانب الجميلة فيهن. وما زلت أحتفظ بذكرى الراحلات منهن في قلبي».
القديسة مرتا… مرآة الرسالة
باندفاعٍ وفرح، تتحدّث الأخت تانغاما عن شفيعة الرهبنة، فتوضح: «القديسة مرتا هي التي فتحت بيتها وقلبها ليسوع، فاستقبلته وخدمته بلا ملل. في روحانيّتها، وجدتُ هويّتي، فرسالة الرهبنة الأساسيّة تتمثّل في الخدمة. أؤمن بأنّ الربّ هو من اختار هذه الرهبنة، ووجّهني إليها».

بين لبنان وإيطاليا
بقيت الأخت تانغاما في لبنان حتى العام 2005، ثم انتقلت إلى إيطاليا قبل أن تعود مجدّدًا إلى لبنان. عندما رجعت، لمست التغيير في البلاد، بين نهضة عمرانيّة وتحسُّن بعض الظروف. لكن روح الخدمة بقيت نفسها. تابعت رسالتها وسط التحدّيات، على الرغم من عدم إتقانها اللغة العربيّة، فالمحبّة لغتها الأسمى.
عمل صغير… حبّ كبير
«قد تكون خدمتي بسيطة: أعمال منزليّة، إعداد طعام، اعتناء بالحديقة، لكنّني أرى فيها امتدادًا لرسالة بيت عنيا، حيث استقبل لعازر ومريم ومرتا يسوع بحبّ. فكل ما نقدّمه، ولو كان صغيرًا، هو انعكاس لمحبّة الله»، تؤكد الأخت تانغاما.

شكرٌ أبديٌّ للربّ
تختم الأخت تانغاما سرد اختبارها عبر «قلم غار» بشكر الربّ على عطاياه الغزيرة، قائلةً: «أحمد الله على كل شيء، فهو الذي سهّل دربي وأمسك بيدي ودعاني إلى التكرُّس. محبّته غمرت كياني. أشكره أيضًا على النعمة التي وهبني إيّاها بالمجيء إلى لبنان لأنّني وجدته في هذه الأرض، فلطالما شعرت به يسير معي، كأنّني رأيته بعينيَّ وهو يمشي بيننا».

بهذه المسيرة العابقة بالعطاء، تبقى الأخت تانغاما كاريبوكاتيل مثالًا ملهمًا للراهبة التي تركت الأرض لتربح السماء، فحملت المسيح في قلبها، وزرعت في دربها أزهار الحبّ والخدمة. ثمانيةٌ وثلاثون عامًا من التكرُّس، سعت الأخت تانغاما في خلالها إلى أن تكون نورًا يشعّ في ظلمة الألم، ويدًا تمسح دموع المحتاجين. اختارت أن تتحوّل إلى مرآة لمحبّة الله، فحيثما حلّت، تركت أثرًا لا يُمحى. وهي اليوم تسير بثباتٍ على خطى القديستين مرتا والأمّ تريزا دي كالكوتا، شاهدةً على حضور يسوع المسيح في العالم.

———————————————————-
إضاءة على رسالة رهبنة القديسة مرتا
انطلقت رهبنة القديسة مرتا مع الأب الطوباوي توماسو ريجيو الذي أسّسها بعد الاطلاع على حاجات المواطنين في إيطاليا في 1878. من ثمّ، وقع زلزال حيث تأسّست الرهبنة في مدينة فنتيميليا الإيطاليّة وتدمّرت مدن كثيرة، فكانت رهبنة القديسة مرتا الأولى التي اهتمّت بالجرحى. وتمثّلت دعوتها أيضًا في مساعدة الفقراء والمحتاجين والإكليريكيين، بحسب ما أفادتنا الأمّ الرئيسة فيتّوريا كوتيللي.
وقد أعطى الأب ريجيو التنشئة للرهبنة التي جمعت روحانيّة مريم (الصمت) ويدَي مرتا (العمل)، وانتشرت في إيطاليا والعالم أجمع. أمّا عدد المنتسبات إلى الرهبنة، فيبلغ حوالى 400 مكرّسة منتشرات في إيطاليا وتشيلي والأرجنتين والبرازيل والمكسيك والهند ولبنان.
———————————————————-