آمال شعيا
د. محمد رمال، أستاذ في جامعة القديس يوسف، خبير في منهجيّة البحث العلمي، ومتخصّص في مجال التربية على المواطنيّة، وله مقالات بحثيّة منشورة في عدد من المجلات العلميّة المحليّة والدوليّة. حاصل على جوائز عديدة منها جائزة العلوم الفخريّة من معهد التنمية الاقتصاديّة والبحوث الاجتماعيّة، والكثير من الأوسمة التقديريّة، يطلّ عبر “قلم غار” كي يشاركنا اختباره مع الآخر المختلف عنه في الدين، ويكشف لنا رؤيته حول مسألة الحوار المسيحي-الإسلامي، وكيفيّة تفعيله على أرض الواقع.
يد اللّه في حياتي
“عندما أشرّع عينيّ للضّوء كلّ صباح، تكون يد اللّه هي التي أضافت إلى عمري يومًا جديدًا… وعندما أعطي من دون منّة، وأفتح لمن حولي نافذة يدخل منها الضّوء إلى يومهم، يكون اللّه حاضرًا… وعندما أكون سببًا في أن يشعر أحدهم بأنّ الدنيا ما زالت بخير، يكون اللّه حاضرًا… وعندما أرى عائلتي تكبر أمام ناظري، وتفيض عليّ محبّة الناس وتقديرهم بأكثر مما أستحق، يكون الله حاضرًا”، يخبر د. رمال.
“عندما أنتظر يد اللّه لتطوي صفحة القلق أو المرض من كتابي. فاللّه حاضر دائمًا، المهمّ أن نعيش حضوره فينا كلّ لحظة، ونجسّد هذا الحضور في أقوالنا وسلوكيّاتنا وتعاملنا مع الآخرين”.
الانفتاح على الآخر بالقول والممارسة
ويؤكد د. رمال أن المعيار الذي يتحكّم بعلاقته مع الآخرين هو المعيار الإنسانيّ، مضيفًا: “الآخر هو بالنسبة لي أخٌ وُلد في مكان آخر من أبوين مختلفين ومن دين آخر، وهو أخي طالما تجمعنا القيم الإنسانيّة، وأنا الآتي من أسرة فتحت أمامي آفاقًا رحبة في الانفتاح على الآخر وعدم النظر إليه على أنّه رقم طائفي، ولم يمانع والدي متابعتي سلسلة دروس تعرّف بالمسيح وأنا ابن 9 سنوات، بل شجّعني على ذلك، وأذكر أنني كنت أنتظر بشغف ساعي البريد ليصل إلى قريتنا كلّ أسبوعين ليسلّمني الدرس الجديد من السلسلة وتصحيح أسئلة الدرس السّابق”.
ويتابع د. رمال: “لاحقًا، انخرطت في السلك العسكري حيث لا اعتبار للّون الطائفي بل اندماج وطني حقيقي في القول والممارسة. الآخر، أيًّا كان وأينما كان، هو شريكي في الإنسانيّة، فكيف إذا كان شريكي في التاريخ والتراث والعادات والأرض، قد نختلف في الثقافة، ربّما، لكن هذا الاختلاف هو مصدر غنى ولن يكون مصدر تفرقة، فكيف نثري ثقافتنا إذا لم نتعرّف على ثقافات أخرى؟”
هكذا يؤتي الحوار المسيحي-الإسلامي ثماره…
ويقول د. رمال عن كيفيّة تفعيل الحوار المسيحي-الإسلامي: “لقاءات الحوار الإسلامي-المسيحي هي محطّات يؤمل منها القول إنّ قنوات التواصل بين الجهات الروحيّة مفتوحة، وهذا أمر إيجابيّ، لكنها غير كافية لأنّ التواصل بين المكوّنات الطائفيّة على أرض الواقع عمليّة تشاركيّة وتفاعليّة تجاوزت مجرّد اللقاءات الرسميّة بين أقطاب الطّوائف، بمعنى أنّ أي حوار على مستوى القيادات الروحيّة يجب أن لا ينطلق من نقطة الصّفر وكأنّ هناك صدعًا ما، لا سمح اللّه، ويعمل على رأبه.
وإذا كان المجتمع اللبنانيّ يعاني أحيانًا من شروخ طائفيّة فهي ناتجة عن توترات سياسيّة عندما يلجأ البعض إلى استخدام السّلاح الطائفيّ لتعزيز موقع أو مكسب سياسيّ. لذا، إنّ الحوار المسيحي-الإسلامي لن يجدي حصره على المستوى الروحيّ فقط، بل يجب أن تكون مقرّراته ملزمة للوسط السياسي، وإلا لن يؤتي ثماره.
أمّا ما يمكن أن يركّز عليه هذا الحوار فهو ليس فقط القواسم المشتركة وهي كثيرة، ويكفي هنا أن ننظر في جوهر الديانتين لنقع على الكثير منها، بل بنقل توصيات هذا الحوار من الإطار النظريّ إلى الحيّز العملي من خلال تعميم ثقافة المشاركة وممارستها على أرض الواقع، برعاية المبادرات الإنسانيّة والاجتماعيّة المشتركة على مستوى الجماعات والمؤسّسات الاجتماعيّة والمجالس البلديّة، عندها تصبح القواسم المشتركة بين الديانتين ممارسة على أرض الواقع، ويكتسب المواطنون من خلالها مهارات العيش الواحد والاندماج الاجتماعي”.
“ماذا يعني أنّني مسلم؟”
ويشاركنا د. رمال حادثة مربكة حصلت مع ابنه: “كان ولدي البكر لم يبلغ بعد ثماني سنوات، عندما طلب منه أحد زملائه في الصّف أن لا يشارك في القداس الذي يُقام أسبوعيًّا في الدير التابع للمدرسة التي يتعلّم فيها، وعندما سأله ولدي عن السبب. أجابه رفيقه: “لأنّك مسلم!” فردّ عليه ولدي بسؤال: “ماذا يعني أنني مسلم؟”
وعندما لم يفلح صديقه في الإجابة عن هذا السؤال، شارك ولدي في القداس كعادته كلّ أسبوع، وقرأ الرسالة التي يتلوها عادة أمام الحاضرين، وبادرني بعد عودته من المدرسة بالسؤال الذي كنت أتوقّعه بعد عشر سنوات على الأقل: “ماذا يعني أنّني مسلم؟” لم أستطع إخفاء ارتباكي حينها، لكنني وجدت أن أفضل وسيلة للخروج من هذا المأزق هي الردّ على السؤال بسؤال آخر، وسألت: “لماذا تسألني؟” فقال: “لأن رفيقي في الصفّ نبّهني إلى ذلك ونصحني بعدم الصلاة في كنيسة المدرسة”. فقلت: “كلّنا مؤمنون باللّه، وأينما نصلّي تصل صلاتنا إليه ويسمعها، سواء أكانت في البيت أم الجامع أم الكنيسة أم في أي مكان آخر”.
هذا الجواب يردّده دومًا ولدي الذي أصبح في ريعان الشباب، وأعتقد أنه يمتلك اليوم من خلال شبكة علاقاته ثقافة الحوار وتقبّل الآخر والعيش الواحد أكثر مما كنت أتوقع منه”.
باقة من النعم والقيم الإنسانيّة
ويرفع د. رمال الشكر إلى الربّ، قائلًا: “عندما أحافظ على القيم الإنسانيّة النابضة في داخلي، وأجسّدها وأشرك بها كلّ مَن حولي، عندئذٍ، أقول للّه شكرًا. وعندما أحفظ نفسي وعائلتي وكلّ عطايا اللّه لي، أقول للّه شكرًا… وأقول أيضًا للّه شكرًا عندما أنظر إلى خلْقه على أنّهم إخوتي في الإنسانيّة”.