آمال شعيا
د. راني الغصين، حائز الدكتوراه اللبنانيّة في اللغة العربيّة وآدابها، ودبلوم إنهاء دروس في الغناء الشرقيّ من المعهد الوطنيّ للموسيقى، ومؤسّس العديد من الجوقات الفنّيّة والكنسيّة منها جوقة “أناشيد المحبّة” التي ساهمت بإحياء التراثين المسيحيّ والوطنيّ في لبنان وخارجه، وحائز الكثير من الجوائز وشهادات التقدير، منها: الميداليّة البرونزيّة من برنامج ستوديو الفنّ 1996، وأستاذ متفرّغ في كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة-الفرع الثاني، يطلّ علينا عبر موقع “قلم غار” كي يشاركنا باختباره النورانيّ مع اللّه والوجود.
لمسات الله باقة مفاجآت
“بدأت ألمس حضور اللّه منذ أبصرت نور الحياة، وهذه النعمة أخذت تكبر معي بفعل الإيمان، كما يلعب الأهل الدور المباشر في تنميتها أو في إفسادها. وأشعر بهذا الحضور العظيم بطريقة غير مباشرة، من خلال محبّة الأهل والأصدقاء والأقارب والبيئة التي ترعرعت فيها، وهنا أقصد مدينتي “زحلة”، يقول د. الغصين.
“أشعر بحضور اللّه المباشر من خلال اختبارات عدّة، أذكر منها: في أحد الأيّام، بينما كنت في مدريد، توجّهت إلى مدينة الإسكوريال التي تضمّ مكتبة ضخمة. لمّا وصلت إلى المحطّة التي كانت تعجّ بالناس، ولم يعد الباص يتّسع للركّاب، شعرت بأنّه سيتعذّر عليّ المضيّ برحلتي…
فجأة، أحسست بتدخّل اللّه بطريقة عجيبة، إذ ناداني سائق الباص، مؤشّرًا لي كي أتقدّم نحوه، فأصبت بالذهول، ورحت أتساءل: لماذا اختارني؟ وكيف سأتمكّن من تجاوز هذا الحشد؟!
لحظة دنوت منه، فتح لي الباب كي أصعد إلى الباص، ولمّا وصلت إلى الإسكوريال، كانت مفاجأة رائعة في انتظاري! إنها كاتدرائيّة للسيّدة العذراء، شفيعتي وأمّي الحبيبة!
وفي اختبار آخر لحضور الربّ، في خلال خضوعي لعمليّة جراحيّة آلمتني كثيرًا، رأيت أمامي صليب يسوع، فقلت له: لمجد آلامك يا ربّ! عندئذٍ، لم أعد أشعر بأيّ وجع! نعم، لقد اختبرت بقوّة لمسة الله بشكل مباشر وغير مباشر في حياتي”.

الربّ يشفيني ويحميني
ويخبر د. الغصين: “هناك أكثر من نقطة تحوّل في حياتي، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أمرين؛ أوّلهما لمّا أصبت بشلل نصفي في الجهة اليسرى، وأنا في الخامسة عشرة من عمري، شعرت بالحزن الشديد في تلك المرحلة. وثانيهما تجربتي مع الروح الشريرة، وكيف أيقنت أننا عندما نضع ثقتنا المطلقة باللّه ونسير وفق تعاليمه، فهو وحده من يستطيع أن يحرّرنا من كلّ شدّة، كما أنّ اختياري الصحيح للكاهن المقسّم ساعدني كثيرًا من خلال صلاته وإرشاده حول أهميّة الاحتفال بالذبيحة الإلهيّة والاعتراف وتناول جسد الربّ المقدّس وتلاوة السبحة الورديّة بشكل مستمرّ.
من هنا، إنّ هاتين التجربتين شكّلتا نقطة التحوّل الأكبر في عمري، فجعلتاني أتمسّك أكثر فأكثر بثوب الربّ، وأشكر استجابته دعائي… عندما أقع في محنة ما، أطلب حماية صليب المسيح المقدّس أوّلًا، وبعده حماية أمّه العذراء، وهي الأقرب إلى قلبي بعده، وهي من تعيد لي الابتسامة بعد الحزن، وأشهد بإيمان وفرح بأنّني مسيحيّ مريميّ”…
أناشيد وأفراح سماويّة
ويتابع د. الغصين: “أواجه الصعوبات باتّكالي المستمرّ على مصدر وجودي، وهو يسوع المسيح، فأنا أردّد على الدوام: “أستطيع كلّ شيء بالمسيح الذي يقوّيني” (في 4: 13)…
عندما أرنّم في الكنيسة، ولا سيّما أنّني لم أعد أغنّي من سنوات طويلة، مكرّسًا نعمة صوتي لتمجيد الثالوث الأقدس وأمّنا مريم العذراء، وعندما أقوم بأيّ عمل إبداعي من كتابة أو تأليف موسيقيّ، يجتاحني شعورٌ لا يوصف، ويلهبني فرحٌ سماويّ، كأنني محلّق في الفضاء! يا له من شعور نابض بالسموّ لأن الروح القدس يعمل معي في هذه اللحظات، على سبيل المثال، لمّا كنت أبخّر صورة الرحمة الإلهيّة، شعرت بإلهام الروح القدس يولّد كلمات ترنيمة “يا يسوع أنت حيّ في القربان”. وبعد مدّة وجيزة، اكتملت الترنيمة على مستوى الكلمة واللحن. كذلك، شعرت بإلهام الروح القدس، لمّا أنهيت مؤخّرًا ترنيمة للقديس يوسف، وتلحين ترنيمتين؛ واحدة للقديس فرنسيس الأسيزي وأخرى للمكرّم بشارة أبو مراد، كلمات والدي الشاعر جوزف الغصين”.
نعمٌ وشكران وتسابيح
ويختم د. الغصين اختباره عبر “قلم غار”، شاكرًا الربّ على فيض مواهبه ونعمه، بالقول:
“أنا في حالة مستمرّة من الشكر والتسبيح للربّ لأنني مؤمن بشعاري المجسّد بقول القديس أغناطيوس دي لويولا: كلّ ما لدي هو منك، كلّ ما أملك هو منك يا إلهي. لذا، أحاول على قدر المستطاع أن أستثمر كلّ ما أعطاني اللّه من نعم، وأعيدها له، فهو مصدرها. كما أشكره عندما أقوم بأيّ عمل سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا، ومن ثمّ أشعر بفرح عظيم عندما أقدّم أيّ خدمة للآخرين، إذ أشعر بأنّه من دعاني للقيام بها، وكم أنّ هذا الفعل غالٍ على قلبه”.