د. روي حرب
جاءني أمس زائرًا طيفُ الـ”أنا” الذي كنته، وراح يذكّرني بما خفت منه يومًا وعليه.
سألني عن مستقبله؛ هل كبّلته بقيود التردّد والخوف؟
سألني عن سفراته التي كان يخطّط لها، وعن حبّ حياته الذي بذل قصارى جهده من أجل الحفاظ عليه.
أرهقني بوابل من الأسئلة، فأصابني صداع أليم، وإذ به يضحك مطلقًا عليّ أحد أمثاله الشعبيّة “مين غيّر عادته قلّت سعادته”، في إشارة منه إلى صداعي، رفيقي الدائم.
كنت حينها على الشاطئ، أتأمّل البحر وقد انسكبت فيه لمسات سماويّة أضفت عليه ذاك اللون الأزرق الفيروزيّ… أخذت نفسًا عميقًا، جدّ عميق، ابتسمت وكنت غارقًا في ذكريات، بعضها مرّ، وأجبته بكل صدق: من كبّلت نفسي لأجله بسبب ظروف الحياة، خسر جولته في الحياة، فإذ بي أستعيد حرّيّتي رويدًا رويدًا، وأتأقلم مع واقع القوّة ورفض الاستسلام، وأتعلّم معنى رفض المفروض، وكسر الحواجز، والتشبّث بالحلم.
أمّا عن السفر، فالبلاد المحفورة في القلب، يا أناي الصغير، لم أزرها حتى الساعة لأنني لن أطأ أرضها وحيدًا كما وعدتك…
تكسّرت إحدى الموجات عند قدمي، بعدما سقطت اللفافة عند شفتيّ، وشعرت بآماله قد بدأت تتكسّر أيضًا على وقع أجوبتي.
“وماذا عن القلب؟” سألني بلهفة الطفل الذي اشتقت إليه… فضحكتُ وقلت: “أنظر في عينيّ”…
وإذ بي، بلمح البصر، أحني رأسي خجلًا منه؛ لقد فقدت لمعة عينيّ منذ زمن بعيد، وتلك الشرارة المتطايرة قد ذبلت مع الأيّام، والسهام المنتشرة من البؤبؤ قد نفدت ذخيرتها.
ما زال قلبي الصغير ينبض حبًّا، لكن بغير نكهة، وكأنّ شمسي صارت تشرق من مغاربها…
لا… هذا ليس حلمي… إيّاك والتخلّي عمّا آمنّا به يومًا! أعدني إلى الحياة لأعيد الحياة إليك… وإذ بهاتفي يرنّ!
وفجأة، عاد البريق إلى عينيّ، وامتلأت جعبة القلب بالذخائر، وتصاعدت حدّة الموج فامتزجت بضحكات طفل ونسائم ورديّة، وبدأت تدحرج صخرة الفؤاد.
ومشيت…