ماري حنّا
حملايا، البلدة اللبنانيّة التي احتضنت طفولة القديسة رفقا، المولودة في العام 1832 في عيد القديسَيْن بطرس وبولس، فحملت اسم بطرسيّة. وحين تصف ذكرياتها وطفولتها في بلدتها تقول: «لا أذكر من طفولتي في حملايا سوى تلك التلّة الرائعة حيث كنت أمضي ساعات أصلّي وأتأمل جمال ما خلقه الربّ في ذلك المكان المطلّ على وادي الصليب وجبل صنّين. هناك كنت أشعر بيسوع معي، بقربي يحادثني، هو أمّي وأبي وأنا يتيمة صغيرة، بيتي الصخور الوعرة والسنديان والزهور. هناك طلبت قلب يسوع، أخذت قراري، رسمت له دربي، تلك كانت لحظات صمت رائعة أحنّ إليها، لم أنسها وقد نسيت عمري».
تُطلّ حملايا على جبل صنّين ووادي نهر الصليب حيث يتلاقى نهرا نبع العسل ونبع اللبن ويشكل لقاؤهما ما يشبه رسم الصليب. لذلك، أطلق على الموقع اسم وادي الصليب.
تقع بلدة حملايا في قضاء المتن الشمالي، وتتبع محافظة جبل لبنان. ترتفع عن سطح البحر بين 750 و850 مترًا. يحدّها شمالًا دير شمرا وداريّا، شرقًا شويّا وأبو ميزان، غربًا الميّاسة والسفيلة، غربًا وجنوبًا عين الخرّوبة.
يحمل معنى اسم حملايا تفسيرات عدّة، فالبعض يعتبر أن الاسم متحدّر من اسم الملكة ليّا التي كانت تسكن في بلدة داريّا، وعندما يهاجمها الأعداء كانت تهرب وتحتمي في حملايا، ومنها جاء الاسم «حمى ليّا».
وفي تفسير آخر، يعتبر المؤرّخون أن الاسم مشتق من السريانيّة hemlayé، ومعناه «أهراء ومخازن» أو bet hmalé أي مخزن غلال.
واحتمال آخر أن تكون من جَذْر hmal الذي يعني جمع الغلال والحصاد. وجَذْر «حمل» يعني الرحمة والشفقة.
آثارها وأبرز محطاتها التاريخيّة
تعود بلدة حملايا إلى الحقبة الفينيقيّة، هذا ما دلّت عليه الآثار التي اكتشفت فيها من نواويس وكتابات ونقوش متفرّقة تعود إلى أيام المردة من القرن السابع الميلادي.
وقد تبيّن من بقايا الأبنية القديمة التي وُجدت فيها أنها كانت عامرة بالسكان المسيحيين الذين كانوا يتكلّمون السريانيّة، وقد سكنوها في عصر المردة قبل خراب المنطقة على أيدي المماليك في بداية القرن الرابع عشر. بعد المردة سكنها الشيعة، وبعدما طردهم الأمير منصور العسافي، عادت منطقة مسيحيّة.
كانت البلدة ملكًا لأمراء آل أبي اللمع، ثم انتقلت ملكيّتها إلى أوقاف الأديرة، كدير سيدة شويّا، مار نهرا في بيت شباب، سيّدة الغابية بيت شباب ومار أنطونيوس النبع. ومع مرور الزمن، انتقلت ملكيّة الأراضي إلى الأهالي، بعدما ابتاعوها من الأوقاف.
في خلال أحداث 1860 الشهيرة، كان لحملايا نصيبٌ سيّئ، فحين مرّ بها البطل يوسف بك كرم ورجاله، لاقاه الأهالي بالترحاب بحفاوة، وكان المتصرّف داود باشا قد عمّم علمًا يهدّد فيه بإحراق كلّ قرية تقيم استقبالًا لكرم، فأرسل جنوده لإحراقها عن بكرة أبيها لكن أبناءها أعادوا بناءها فور رحيل جنود المتصرّف.
ومع بداية الحرب العالميّة الأولى في العام 1914 وحلول المجاعة، هجرها الكثيرون من أهلها، فحلّ فيها الخراب. وفي العام 1927، عاد من تبقّى من أبنائها وبدأوا بترميمها من جديد، فعاد النشاط والعمران والازدهار إلى البلدة. لكنها لا تزال حتى اليوم تعاني من الهجرة والنزوح، فانتشر أهلها في أميركا وأستراليا وكندا وأوروبا.
تتمتّع حملايا بمناظر طبيعيّة فائقة الجمال، وعددٍ من الفتحات في الجبل تُشبه المغاور، فتشكّل لوحات في غاية الروعة.