د. روي حرب
عصفت رياح الطبيعة كما عصف القلق في صدره.
اكفهرّ الجوّ، تمامًا كقلبه. تلبّدت السماء بالغيوم، فلبّدت روحه بظمأ لأيّام خلت، لابتسامات ذبلت، لضحكات صارت من الماضي. نظر إلى وجه “حوّائه” المزيّن بالاصفرار، تأمّل يديها النحيلتين، وجسدها الذي أكله المرض، فأضعفه وجعل منه روحًا هاربة إلى حريّة مجهولة.
اقترب منها خائفًا، مرتعبًا.
لا! هو لا يخاف الموت، لقد تعايش معه ومع أنانيّته، لكنه يخاف من فقدانها. قد يريحها الموت من عذابها، ولكن من يريح قلبه من جرح أدماه لسنين طويلة وسيدميه حتى اللقاء الثاني؟
داعب خصلًا باهتة من شعرٍ كان كثيفًا. قبّل وجنتين صارتا هرمتين.
حاولت أن تفتح عينيها، أن تنقل إليه شعورها بالسرور والراحة الممزوجة باللوعة. هي تعلم أنها ستفارقه، ولكنها تدرك أنها ستبقى إلى جانبه. هي تعلم أنها كانت معه ولكنها ستسكن فيه، بعد لحظات قليلة. رجته بعينيها أن يكفكف الدمع من روحه، أن يتماسك. لكنها عبثًا فعلت…
همس في أذنها أغانيَ ردّداها في سهراتهما الحلوة، وتمايلا عليها… أغانٍ أجنبيّة وعربيّة. “جعلتِني قويًّا” قال لها بلغة تلك الأغنية (You raise me up)…
لكنه تابع بلغته الخاصّة “فلا تفقديني قوّتي… أنت القوّة وأنا من دونك قمّة الضعف”!
كانت، وهي في عزّ مرضها، تبثّ فيه روح المحارب.
حاولت أن ترفع رأسها قليلًا لتتحدّى الآلات وذاك الشبح الأسود المتربّص خلف الباب. ساعدها بيده اليسرى، تلك اليد التي لطالما آلمته، فاتكأت عليها، وأغمضت عينيها، وتسلّلت روحها منها كلصّ هارب من قبضة العدالة. نامت على يده كطفل بريء.
هي التي سلّمته يومًا حياتها، أسلمت روحها على يده … تلك اليد التي تمنّى ولا يزال بترها، عساه يبتر ذاك المشهد القاتل، الذي عاد فتكرّر مع والده.
ازدادت غزارة المطر، أهي زخات الطبيعة أم زخات من عينيه؟
كانت بينهما آمال وأحلام، هُدمت، فراح يقنع نفسه بأنها تأجّلت إلى يوم جديد، إلى عهد جديد، إلى قيامة قد تكون آتية، عساها قريبة.