أسرة تحرير «قلم غار»
من مصاف القديسين الكاثوليك الذين يحظون بمكانة خاصة في قلوب المؤمنين حول العالم، يبرز القديس بادري بيو، الراهب الإيطالي الذي عاش حياة مليئة بالإيمان والمعجزات. وُلِدَ بيو في 25 أيّار 1887 وتوفي في 23 أيلول 1968، تاركًا وراءه إرثًا روحيًّا عظيمًا وشهادات عن ظهوره لكثيرين وشفائهم إلا أنّ واحدة من أبرز العلامات التي بقيت تثير الفضول والإعجاب هي حالة جثمانه بعد وفاته. عندما فُتِحَ قبره بعد أكثر من أربعة عقود، تبيّن أنّ جسده لم يتحلّل، ما أثار التساؤلات حول الطبيعتين العلميّة والروحيّة لهذه الحالة.
جثمان بادري بيو حالة فريدة
عندما توفي القديس بادري بيو عام 1968، دُفِنَ في كنيسة سيّدة النعمة في بلدة سان جيوفاني روتوندو الإيطاليّة، وهي الكنيسة التي خدم فيها طوال حياته الرهبانيّة. دُفِنَ جثمانه كأيّ شخص عادي، من دون تدخّل أو تحنيط. بعد مرور أكثر من أربعين عامًا، في العام 2008، اتُّخِذَ قرارٌ بفتح قبر القديس، استعدادًا لنقله إلى ضريح جديد أكثر اتساعًا لاحتضان الحجّاج المتزايدين.
المفاجأة التي أذهلت الجميع تمثّلت في حالة جثمانه. وفقًا للتقارير الرسميّة، على الرغم من مرور هذه الفترة الطويلة، ظلّ الجسد محفوظًا بشكل جيّد، بخاصة الوجه واليدين في حين أنّ بعض الأجزاء السفلى من الجثمان قد تعرّض للتحلّل الطبيعي، إلا أنّ الوجه بدا كأنّه محنّط. بحسب الشهادات الطبّية التي أُجريت على الجثمان، تبيّن أنّ عمليّة التحلّل كانت أبطأ بكثير ممّا هو متوقع لجسد بشري مدفون منذ فترة طويلة من دون تحنيط.
عوامل علميّة وروحيّة
حالة جثمان بادري بيو أثارت الكثير من الجدل حول ما إذا كان عدم التحلّل يعود إلى تدخّل إلهي أو عوامل طبيعيّة. فهناك من يرى أنّ الموقع الجغرافي لدفن الجثمان والظروف المناخيّة قد لعبت دورًا في بطء عمليّة التحلّل. في المقابل، يؤمن كثيرون أنّ ما حدث هو معجزة، ولا سيّما أنّ القديس بادري بيو عاش حياةً مليئة بالعجائب والأحداث الروحيّة الخارقة.
الدراسات الطبّية التي أُجريت بعد فتح القبر أكدت أنّ الجثمان كان في حالة جيّدة بما فيه الكفاية لعرضه على الملأ. وقد اتُّخذت الإجراءات اللازمة لحمايته من مزيدٍ من التحلّل، وذلك باستخدام تقنيّات حديثة للحفاظ على بقايا القديسين.
عرض الجثمان في الضريح الجديد
بعد الفحص الطبّي والتأكد من حالته، نُقِلَ جثمان القديس بادري بيو إلى بازيليك جديدة بُنِيَت خصّيصًا تكريمًا له وحملت اسمه في سان جيوفاني روتوندو. الجثمان الآن معروض في تابوت زجاجي، ويمكن للزوّار والحجّاج رؤيته عن قرب والتأمّل في حياة هذا القديس العظيم. يُعَدُّ ضريح القديس بادري بيو اليوم واحدًا من أهمّ مواقع الحجّ في إيطاليا، حيث يستقطب مئات الآلاف من المؤمنين كل عام.
البازيليك الجديدة التي تحتضن الجثمان تُعَدُّ تحفة معماريّة حديثة، وتمنح الزوّار فرصة للصلاة والتأمّل في وجود هذا القديس. الكثير من المؤمنين يعتبرون أنّ زيارة ضريح القديس بادري بيو تحمل لهم بركات روحيّة خاصة مليئة بالسلام الداخلي والسكينة.
نتائج الأبحاث الحديثة
في السنوات الأخيرة، أُجريت أبحاث عدّة لدراسة حالة الجثمان باستخدام تقنيّات متقدّمة.
استُخْدِم التصوير بالأشعّة السينيّة والرنين المغناطيسي لدراسة حالة الأنسجة والأعضاء. أظهرت هذه الفحوص أنّ الأنسجة لا تزال سليمة.
في العام 2019، أُجريت دراسة باستخدام تقنيّات تصوير ثلاثيّة الأبعاد وتحليل المكوّنات الكيميائيّة للجثمان، حيث أظهرت النتائج أنّ الأنسجة تحتفظ ببعض الخصائص الحيّة، ما أثار الاهتمام العلمي.
كما استُخْدِمت تقنيّات جديدة للحفاظ على الجثمان، بما في ذلك التحكّم في الرطوبة والحرارة، ما يساعد في إبطاء أيّ عمليّات تحلّل. جرى ذلك تحت إشراف طبّي متخصّص، وهو ما يعكس اهتمام الكنيسة بسلامة الجثمان.
كذلك، أظهرت دراسات حديثة أُجريت على العيّنات المأخوذة من الجثمان وجود بعض المركّبات الكيميائيّة التي تساهم في الحفاظ على الأنسجة. هذه الدراسات تناولت التحليل الطيفي واستخدام تقنيّات الفحص المجهري.
يبقى جثمان القديس بادري بيو شاهدًا على إرثه الروحي وتأثيره العميق في حياة المؤمنين. الحالة الفريدة لجثمانه تضيف بُعْدًا غامضًا إلى حياته المفعمة بالمعجزات والخوارق. اليوم، يواصل ضريح بادري بيو جذب الملايين من الحجّاج الذين يأتون للصلاة والتأمّل وطلب شفاعة هذا القديس الذي عاش في خدمة الله والإنسانيّة.