غيتا مارون
جذبه الربّ بحبّه اللامتناهي، فكرّس له نفسه ودربه، وأنشد للعالم بأسره كلمة الخلاص.
مرنّم لبناني يسبّح اسم الله منذ الخامسة من عمره، تخطّى حدود بلاده ليشرق صوته الرائع في قلوب المؤمنين، أينما حلّوا.
يفضّل أن يعرّف عن نفسه بأنّه زوج وأب لثلاثة أولاد وخادم لله. تتجلّى خدمته في موهبته التي استثمرها في حقل الربّ على مدى 24 عامًا، فحجزت ترانيمه المرتبة الأولى في لقاءات الشبيبة اللبنانيّة والعربيّة.
حائز دكتوراه في الموسيقى من جامعة الروح القدس-الكسليك وماجستير في الغناء الشرقي، فضلًا عن دراسات عليا في الزراعة.
يحبّ أن يُطلِق على نفسه تسمية «موسيقي مرسَل»، فهو يدرّس الموسيقى للّاجئين والنازحين من الأطفال والشباب والكبار في دول عربيّة عدّة وفي أوروبا وأميركا. تتنوّع خدمته على الصعد الإنسانيّة والاجتماعيّة والموسيقيّة المختلفة.
في العام 1996، نال ميداليّة ذهبيّة في ستوديو الفنّ. أستاذ جامعي في بوسطن كولدج منذ العام 2016.
في رصيده حوالى 800 ترنيمة منفردة، و20 شريطًا، وباقة من ترانيم تجمُّع «يسوع فرحي» وجوقة «أغابي».
إنّه المرنّم نزار فارس الذي يشارك «قلم غار» مسيرته العميقة المكلّلة بالكلمة والأنغام السماويّة والنعم الإلهيّة الغزيرة.

تجلّيات الحضور الإلهي
بقلبٍ فائض بالإيمان والرجاء، يخبر نزار عن تجلّيات حضور الله في حياته، فيقول: «منذ نعومة أظفاري، برز حضور الربّ في حياتي. فقدت والدي في الحرب اللبنانيّة، فاضطرّت أمّي لإرسالنا إلى مدرسة داخليّة.
عرفتُ لاحقًا أنّ أترابي لم يعيشوا حياةً طبيعيّة؛ منهم التقيت بهم في خلال خدمتي (الترنيم) لدى زيارتي السجن، ومنهم قُتِلُوا مع الأحزاب.
إنّ وجودي اليوم في الساحة الترنيميّة شهادة كبيرة لتجلّي نعمة الله في حياتي».
بصمة الله وعصف الروح
يواصل نزار سرد اختباره الروحي، مؤكدًا أنّ المرات التي لمس فيها تدخّل الله في حياته لا تُعدّ ولا تُحصى، مستشهدًا بالآية الآتية: «الروح يعين ضعفاتنا لأنّنا لا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي، لكن الروح يشفع فينا بأنّات لا توصف» (روم 8: 26).
ويشدّد على أنّه يلمس الحضور الإلهي الآسر دومًا، فالله يسمعنا ويرشدنا، ويجعلنا متنبّهين إلى كلماته.
ويشرح: «بصمة الله في حياتي واضحة: رافقني في طفولتي حتى شبابي، في خلال التزامي في الكنيسة لكن علاقتي به لم تكن سليمة إذ لم أفهم حينذاك ما معنى “الله محبّة”.
لمّا أنهيت دراستي في المدرسة الداخليّة، لم يكن حبّ الله يسكن قلبي، بل سيطر عليه حينذاك شعور بـ”النقمة” لأنّني عشت طفولتي من دون حضور والدي إلى جانبي. استغرق تصحيح هذه العلاقة بعض الوقت، لكن الربّ كان يحتضنني دومًا».

نقطة تحوّل وانطلاقة جديدة
يخبر نزار: «بعد مشاركتي في ستوديو الفنّ وفوزي بالميداليّة الذهبيّة عن فئة الأغنية الشعبيّة العربيّة، انطلقت حياتي الفنّية.
بعد 3 سنوات من دخولي عالم الفنّ، حصل التغيير. فما حدث معي في صيف 1999 بدّل مساري وشكّل نقطة تحوّل، عندما وقّعت عقد عمل لأغنّي في بلد عربي؛ دعاني أحد رؤساء الدول العربيّة لأنشد له، فأُعْجِبَ بصوتي جدًّا، وأعطاني أغنية من كلماته. كان معروفًا بكرمه مع الفنّانين. لكن فريقه احتجزني في غرفتي سرًّا على مدى شهر، وأخذ مكافأتي. بعدما نسي الجميع أمري، أُخرجتُ من البلد.
في خلال احتجازي، رافقني صديقي الدائم الكتاب المقدّس إذ كنت آخذه معي حيثما أذهب، فضلًا عن العود.
بعد عودتي إلى لبنان، تعرّضت لانهيار عصبي كبير. آلمتني خسارة الجائزة التي سُلِبَت منّي والبالغة 370 ألف دولار.
مرّ شهران، وأنا في حالة متردّية إذ كنت منهارًا كلّيًا لكنني صلّيت كثيرًا. تصفّحت الكتاب المقدّس، فخاطبني الربّ من خلال الآية الآتية: “انظروا إلى طيور السماء: إنّها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحريّ أفضل منها؟” (متى 6: 26).
أجبت الربّ: “إذا كنتَ موجودًا حقًّا، تدخّل في حياتي الليلة!”…
أجهشت بالبكاء. من ثم، خلدت إلى النوم. في اليوم التالي، استيقظتُ إنسانًا جديدًا، وشعرتُ بالفرح، ولمستُ كلماته: “سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم، أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم، ولا ترتعب” (يو 14: 27). زال انهياري!
بعد مرور أسبوع، سجّلت ترانيم «عيناك تنظر إليَّ»، و«نشيد المخلوقات»، و«أدعوكَ أبّا»… انتشرت هذه التراتيل بسرعة فائقة وتخطّت حدود لبنان. تابعت تسجيل الترانيم… رنّمت أيضًا مع جوقة «أغابي»…
بعدئذٍ، شعرت بأنّ الله يرغب في أن أخدمه بصوتي. لمّا قرأت الكتاب المقدّس، أدركت إرادته أكثر. حواسي تغيّرت… شعرت بلمسة الربّ!».

القلب والكنز الحقيقي
يتابع نزار: «بقيت تائهًا على مدى سنتين، وظللت محتارًا إذا كان يجب عليَّ أن أكتفي بالترنيم أو الغناء أو أجمع بينهما مثل رفاقي.
استمررت في الترنيم والغناء حتى العام 2001. في ليلة رأس السنة، أحييت حفلة مهمّة، فضلًا عن إحياء رسيتال ديني.
لمست الفرق بين حالة الناس المشاركين في الرسيتال إذ صلّوا وبكوا وجدّدوا عهودهم مع الربّ، وحالة الجمهور المشارك في حفلة رأس السنة، مثل دكتورة محترمة خرجت بمظهر مغاير لما كانت عليه. سألت نفسي حينها: “هل ساهمت في خروجها بهذه الحالة بعد الحفلة في حين أدّت مشاركتي في الرسيتال إلى تغيير كثيرين بطريقة مختلفة؟”.
وصلتُ إلى المنزل عند السابعة فجرًا، وفتحتُ الكتاب المقدّس، فكانت الآية الآتية: “حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا” (مت 6: 21).
قلت للربّ: “أنت تعرف أنّ كنزي معك يعني أنّ قلبي معك أيضًا”. منذ ذلك الحين، اتّخذت قراري بأن أرنّم فحسب.
دأبت على تدريس الموسيقى العربيّة والغناء الشرقي، وطلابي كثيرون لكن صوتي وموهبتي منحتهما لربّنا.
ما يميّز خدمتي انفتاحها على كل الطوائف».

الترنيم وكلام الربّ
الكلمة والنغمة المُسَبِّحَة تطبعان حياة نزار منذ طفولته، فهو رنّم منفردًا في الخامسة. من ثم، رتّل في جوقات مدرسة الحكمة، ومار ميخائيل، وجامعة الروح القدس-الكسليك، ومستشفى الجعيتاوي، وتجمُّع «يسوع فرحي»، و«أغابي»، وسواها.
يعتبر نزار أنّ الروح تتغذّى بالصلاة وقراءة الكتاب المقدّس، موضحًا: «المرء يقرأ كتابًا كي يأخذ انطباعًا معيّنًا باستثناء الكتاب المقدّس، فعندما يقرأه، ينطبع الإنجيل في المرء ويغيّره».
ويرى أنّ الترنيم أداة مزدوجة لأنّه يحتوي على الموسيقى، وهي بحدّ ذاتها تغيّر الحالة النفسيّة للإنسان وتلعب دورًا مهمًّا في حياته. وإذا اتّحدت الموسيقى بكلمة الربّ، تصبح تغييريّة.
ويضيف: «أعرف كثيرين تبدّلت حياتهم بفضل ترنيمة أو ساعدتهم ترتيلة للخروج من أزمتهم. الربّ يكلّمنا من خلال الترانيم؛ يغيّر حياتنا ومسلكنا لأنّ كلمته أمضى من كل سيف ذي حدّين. إنّ غالبيّة ترانيمي منبثقة من روحانيّة الكتاب المقدّس. فكلام الربّ هو ربّ الكلام».

قرار مثخن بالجراح
يؤكد نزار أنّه اتخذ قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركيّة إثر نجاته من انفجار وقع في الأشرفيّة في العام 2012، فتذكّر والده الذي فقده في سنّ الثانية، ورفض أن يعيد التاريخ نفسه مع أولاده.
في المقابل، يعرب عن حبّه الكبير للبنان الذي عاصر فيه الحرب، ورأى 10 أشخاص يُقتَلون أمامه، مشيرًا إلى أنّ جرح الهجرة كبير، فهو عرف لبنان ومشى في كل ربوعه، وجُبِلَ في أرضه.
ويضيف: «من خلال جمعيّة نزار فارس غلوبل مينستري، تمكّنا من تأمين أدوية بقيمة مليون دولار سنويًّا للبنان منذ بدء الأزمة حتى اليوم.
كذلك، نعلّم الموسيقى أطفالًا يعجزون عن دفع تكاليف دراستها في الدامور وزحلة، علمًا بأنّ 110 ترانيم للصغار في رصيدي».
ويختم نزار سرد اختباره عبر «قلم غار»، رافعًا الشكر إلى الله على عائلته، ولا سيّما زوجته مايا الداعمة الدائمة له. ويؤكد أنّ أجمل ما في حياته: يسوع، ورؤية أولاده يكبرون بمخافة الله ويخدمونه ويرنّمون له.