أسرة تحرير «قلم غار»
جدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم تكريس لبنان والشرق الأوسط لقلبَي يسوع الأقدس ومريم الطاهر، في قداس إلهي ترأسه في بازيليك سيّدة لبنان-حريصا، بمعاونة المطارنة حنا علوان، والياس سليمان، وشكر الله نبيل الحاج، والأباتي مارون مبارك، وأمين سرّ البطريرك الأب هادي ضو، ورئيس مزار سيّدة لبنان-حريصا الأب فادي تابت، ومشاركة لفيف من المطارنة والكهنة، في حضور حشد كبير من المؤمنين.
بعد الإنجيل، ألقى الراعي عظة بعنوان «بل الطوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها» (لو 11: 28)، وجاء فيها:
1.ارتفع يسوع من علاقة الأمومة الدمويّة بينه وبين أمّه إلى العلاقة الروحيّة بينه وبين من يسمع كلامه ويحفظه. وكأنّه أراد أن يبيّن سرّ أمومة مريم. فهي أوّلًا أمومة روحيّة بدأت بقبولها كلمة الله في قلبها بالإيمان والرجاء والمحبّة. وهذه الكلمة تحوّلت جنينًا في حشاها. وهكذا نحن بقبولنا كلمة الله بإيمان في قلوبنا، نعطيها جسدًا في أعمالنا.
2.يسعدنا أن نلتقي اليوم باحتفالنا في هذه الليتورجيا الإلهيّة التي بها نجدّد تكريس لبنان وبلدان الشرق الأوسط لقلب يسوع الأقدس، ولقلب مريم الطاهر. ونكرّس ذواتنا لهذين القلبين المقدّسين. فإنّي أحيّي وأشكر كل الذين ضحّوا في إعداد هذا الاحتفال المبارك وفي زينة الشوارع، وقاموا بمسيرة روحيّة من الصرح البطريركي في بكركي إلى مزار سيّدة لبنان-حريصا.
«بتكريس ذواتنا وكنيستنا ووطننا لبنان والشرق الأوسط إلى قلب يسوع الأقدس، فإنّنا من معينه نرتوي المحبّة والرحمة والغفران، ومن فيض نعمه نتقدّس ونتجدّد في إنسانيّتنا، ومن مدرسته نعود نتعلّم الوداعة والتواضع، وننبذ الكبرياء والادّعاء».
«وبتكريسنا لقلب مريم الطاهر، أمّ الكنيسة وسلطانة الورديّة المقدّسة، نسألها أن تساعدنا لنعمل مشيئة الآب الأزلي، ونعيش شركة المحبّة في ما بيننا، ونشهد للقيم الإنسانيّة والمسيحيّة في حياتنا العائليّة والاجتماعيّة والوطنيّة، ونلتزم تعزيزها في لبنان والشرق. ونلتمس منها، هي أمّ جميع الشعوب وملكة السلام، وهي تعرف آلام الناس وأفراحهم، مخاوفهم وآمالهم، أن تقي بشفاعتها هذه المنطقة من كل ما يتهدّدها من عنف وتطرّف واضطرابات، وانتهاكات لكرامة الإنسان وحقوقه وحرّيته وسلامه، وأن توجّه جميع أبناء هذا الشرق إلى الاستنارة بنور الخالق الذي يريدنا عائلة بشريّة واحدة، يترابط أفرادها برباط المحبّة والأخوّة، فيعمل الجميع على بناء مستقبل مشرق على أسس التلاقي والمشاركة والمحبّة والعدالة».
3.«بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها» (لو 11: 21). هكذا شرح يسوع سرّ أمّه الخفي على تلك المرأة. إنّها من أولئك الذين سمعوا كلمته وحفظوها في قلوبهم. إنّ مريم عذراء وأمّ، وبهذه الصفة هي مثال الكنيسة. فإنّها، وهي عذراء ولدت ابنها، ابن الله على الأرض بإيمانها وطاعتها، من دون زرع رجل، بل مظلّلة بالروح القدس، وكحوّاء الجديدة مؤمنةً من دون تردّد بكلام المرسل الإلهي. فأعطت العالم ابنها مخلّصًا وفاديًا، أراده الله بكرًا بين إخوةٍ كثيرين (راجع روم 8: 29)، أعني بين المؤمنين الذين تساهم بحبّ الأمّ في ولادتهم من جديد وفي تنشئتهم (نور الأمم، 63).
والكنيسة بواسطة كلمة الله التي تقبلها بإيمان وأمانة تصبح أمًّا لأنّها بإعلان كلمة الله وبالمعموديّة تلد لحياة جديدة وغير مائتة أبناء حبلت بهم بفعل الروح القدس، ومولودين من الله. وهي أيضًا عذراء تحفظ نقيًّا وطاهرًا إيمانها المُعطى لها من سيّدها، بقوّة الروح القدس، فتحفظ كاملًا إيمانها، وثابتًا رجاءها، وصادقًا حبّها (نور الأمم، 64).
وما يُقال عن الكنيسة يقال عن أعضائها المولودين من كلمة الله والمعموديّة. فالكنيسة تُسَمَّى أمًّا، والمؤمنون المولودون أبناء. وهكذا شرح المسيح سرّ أمّه وإخوته: «إنّ أمّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بمشيئة أبي الذي في السماوات» (مر 3: 34-35).
4.بواسطة هذا التكريس لقلب يسوع الأقدس ولقلب مريم الطاهر، نلتمس من الله:
أ-اختيار شخصيّة استثنائيّة لرئاسة الجمهوريّة تتميّز بأخلاقيّتها ووطنيّتها وشجاعتها واتّزانها ونضجها، فتسمو بالشرعيّة فوق الجميع، وتواجه أيّ تطاول عليها وعلى الكيان والدولة، وتراقب انتظام عمل السلطات والدستور والتوازن الوطني.
ب-تنفيذًا جدّيًّا للقرارات الدوليّة الأمميّة وبخاصّة قرارات مجلس الأمن: 1559، 1680، و1701 الضامنة استقلال لبنان وسيادته وسلطته الشرعيّة وحدها على كامل الأراضي اللبنانيّة.
ج-انبثاق سلطة دستوريّة وطنيّة جديدة، نيابيّة ووزاريّة، تقود الإصلاحات السياسيّة والاقتصاديّة برعاية دوليّة، وتعمل على إعلان حياد لبنان.
د-إسراع المجتمعين العربي والدولي إلى تقديم مساعدات ماليّة بحجم الانهيار اللبناني على أن تُصرَف بإشراف لجنة مصغّرة من الدول المانحة إلى حين عودة ثقة العالم بالسلطات اللبنانيّة.
ه-إعادة إحياء النظام المصرفي وتطهيره وإرجاع أموال المودعين تدريجيًّا لأنّ هؤلاء هم الذين سيُحيون القطاع الخاص، وينهضون بالحركة الاقتصاديّة والماليّة والعقاريّة.
5.فإنّا نضع هذه الأمنيات، مثل ما فعل في حينه سلفنا خادم الله البطريرك الياس الحويك، في قلبَي يسوع ومريم، ملتمسين تحقيقها لمجد الله الأعظم، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.