د. غسان حنا ونيكول طعمة
في التكوين، منذ السقطة الأولى، لم يهمل الله الإنسان، لكنه وعده بمخلّص يرفع عنه ثقل الخطيئة والشرّ. فوُلِدَ الرجاء من رحم هذا الوعد الإلهي بأنّ الله سيحقّق مشروعه الخلاصي من أجل حياة الإنسان وخلاصه…
في العهد القديم، عاش الشعب في انتظار مجيء المخلّص إذ كانت النبوءات تحمل وعود الفداء والخلاص. كان هذا الرجاء يتغذّى من كلمات الأنبياء الذين أشاروا إلى ولادة المسيح ليحرّر الإنسان من عبوديّة الخطيئة ويعيد العلاقة بين الله والإنسان. على الرغم من الأوقات العصيبة والمعاناة التي مرّ بها الشعب، ظلّ الأمل مشتعلًا في القلوب، ومتجذّرًا في وعد الله لإبراهيم وداوود وأنبياء العهد القديم. كان هذا الانتظار نابضًا بالإيمان حيث مثّل رجاء المخلّص النور الذي يضيء ظلمة العالم ويعيد السلام إلى الخليقة.
أما في العهد الجديد، فقد أشرق الرجاء بأبهى تجلّياته وبلغ ذروته في تجسُّد الكلمة الإلهي عمّانوئيل. ولادة يسوع في مغارة بيت لحم، عماده، صومه، بشارته العلنيّة، آياته وتعاليمه، موته وقيامته، صعوده وحلول الروح القدس على الرسل؛ كل هذه المحطات هي بمثابة تجلّيات للرجاء وأجوبة لانتظارات الشعب المؤمن.
رجاءٌ لا يخيب أبدًا
كيف انتظر شعب العهد القديم مجيء المخلّص؟
في العهد القديم، تجذّر رجاء انتظار المخلّص في وعود الله التي بشّر بها الأنبياء وفي العهود المقدّسة. عاش الشعب في انتظار مجيء المسيح المخلّص الذي سيحرّره من عبوديّة الخطيئة ويقيم عهدًا جديدًا مع الله، بحسب النبوءات. تجلّى هذا الرجاء في وعود الله لإبراهيم ونسله، وفي العهد الذي أقامه مع داوود بأن يخرج من نسله ملك أبديّ. على الرغم من المعاناة والاضطهاد، ظلّ الشعب يتطلّع إلى تحقيق هذه الوعود، معتمدًا على رحمة الله وأمانته. ملأ انتظار المخلّص قلوب المؤمنين بالرجاء، فتشبّثوا بإيمانهم بأنّ الله سيُرسل من يخلّصهم ويعيد إليهم السلام والبركة.
تحقيق الوعد… تحقيق الخلاص
كيف يذكّرنا ميلاد المسيح بوعد الله بالخلاص؟
تحقّق الرجاء في ولادة المخلّص يسوع المسيح الذي جاء ليتمّم وعود العهد القديم ويخلّص البشريّة من عبوديّة الموت. هذا الوعد جعل شعب إسرائيل يؤمن بأنّه مختار، فانتظر مجيء المخلّص منه. كما عزّز الأنبياء هذا الرجاء من خلال نبوءاتهم التي تحدّثت عن مجيء مخلّص عظيم.
وُلِدَ المسيح من عذراء. النبي أشعيا تحدّث عن مريم: «ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمّانوئيل» (أشعيا 7: 14(، وهو رمز لحضور الله مع شعبه. أما ميخا، فقد أشار إلى مكان ميلاد المسيح، قائلًا: «أما أنتِ يا بيت لحم أفراتة… فمنكِ يخرج لي من يكون متسلّطًا على إسرائيل، وأصله منذ القديم، منذ الأزل» (ميخا 5: 2( في حين تحدّث النبي دانيال عن الزمن الذي سيأتي فيه المخلّص، مشيرًا إلى ملكوت أبديّ يُقام بيد الله (دانيال 7: 13-14). وقد أعلن مجيئه بعلامات سماويّة عظيمة، منها ظهور النجم الذي قاد المجوس، وهتاف الملائكة للرعاة حاملين رسالة فرح: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام».
نتسلّح بالرجاء… نتجذّر في الولاء
كيف نحافظ على الرجاء في حياتنا اليوميّة عندما تواجهنا تحدّيات تجعلنا نشعر بالإحباط أو عدم اليقين؟
الرجاء المسيحي يضفي قوّةً وسلامًا في مواجهة تحدّيات الحياة. القوّة والسلام ينبعان من انتصار المسيح على الموت والشرّ والخطيئة. مغارة بيت لحم ليست سوى رمز لكل قلبٍ يريد الطفل الإلهي أن يسكنه ليحقّق معنا وفينا مسيرة خلاصٍ تتجلّى في عيشنا واقعنا اليومي المؤلم بروح متجدّدة بالرجاء.
على سبيل المثال، عندما يواجه المرء مرضًا خطيرًا، يجد في الرجاء وعد المسيح بالحياة الأبديّة، ما يمنحه الصبر والثبات. في أوقات الفقد، يذكّرنا الرجاء بلقاء الأحبّة في السماء، ما يخفّف الحزن. أمام الضيقات المادّية، يعزّز الرجاء الثقة بأنّ الله سيعتني بنا، كما يعتني بطيور السماء. وفي مواجهة الظلم، يمنح الرجاء الإيمان بأنّ الله عادل وسينصفنا في توقيته. هذا الرجاء يحفّز المؤمن ليعيش حياته بسلام ويفتح قلبه للمحبّة، متطلّعًا دائمًا إلى تحقيق وعود الله.
يعيش المؤمن الرجاء يوميًّا من خلال إيمانه بوعود الله بالخلاص والحياة الأبديّة. يتجلّى هذا الرجاء في الصلاة والثقة برحمة الله والعمل بوصاياه، على الرغم من الصعوبات. يعزّز الرجاء القدرة على مواجهة التحدّيات إذ يمنح القوّة للاستمرار وسط الضيقات، ويثبت الإيمان أنّ المسيح هو النور في الظلمة والملجأ الآمن. يدفع الرجاء المؤمن إلى عيش حياته بمحبّة وسلام، مشاركًا الآخرين هذا الرجاء من خلال أعمال الخير والشهادة للإيمان. بهذا، يصبح الرجاء محرّكًا للحياة الروحيّة ودافعًا للنمو في الفضيلة.
وهكذا، في المسيح، تتحقّق الرموز والآيات التي أنارت تاريخ الخلاص وأكدت أمانة الله لوعوده.