هيثم الشاعر (بتصرّف)
بادري بيو ومار شربل، قديسان هزّا العالم في حياتهما وما زال عطر قداستهما يجذب المؤمنين إلى الله.
وكأنّ العذراء مريم أرادت أن تهب، في شهر أيّار الذي تكرّم فيه الكنيسة شخصها، حياة النعمة لهذَيْن القديسَيْن؛ فالأوّل ولد في الخامس والعشرين من أيّار في العام 1887، والثاني في التاسع منه في العام 1828.
القديسان عايشا صراع السياسة والحروب، فـ”بادري بيو” شهد على حربَيْن عالميّتَيْن، وشربل شهد بدوره على المجازر في حقّ المسيحيين في لبنان وسوريا.
كان مار شربل صامتًا، قليل الكلام، اختلى بالله في صومعته، مطيعًا الكنيسة ورؤساءه الرهبان، في حين كان القديس بادري بيو يعيش التخلّي والإذلال ويواجه التجارب.
حملا صليب الربّ بفرح؛ عانقاه وجعلاه جسر العبور إلى قداستهما. جُرّبا في حياتهما، لكنهما لم يتشتّتا عن المصلوب، محور حياتهما، فتخلّيا عن كل شيء في سبيل ربح كل شيء ألا وهو المسيح.
الإذلال هو علامة التواضع، فآثرا الغوص في خدمة الكنيسة بتواضع وامّحاء كي يخلّصا النفوس معهما، إذ لا مكان للمتكبّر في قلب الله.
عشقا الذبيحة الإلهيّة، فشربل مات متمسّكًا بكأس الخلاص، وبادري بيو غاص في قدّاسه بخشوع، مردّدًا: “من السهل أن تعيش الأرض من دون شمس على أن تعيش من دون الذبيحة الإلهيّة”.
ربما هما أعظم قديسَيْن في هذا الزمن، يجترح الله على يدهما المعجزات، مذكّرَيْن العالم بأن الله حقيقة وأن الخلاص مؤكّد إذا ما ثبتنا في إيماننا وجعلنا من حياتنا على الأرض مثالًا لملكوت السماء المنتظر.
من لبنان وإيطاليا، أراد القديسان أن يشعّ نور المسيح للعالم أجمع، ويشرق نوره على الأرض، فينبت السلام في قلوب البشر. أرادهما الله رسالة رجاء للعالم في وقت كان الخوف يعمّ البشريّة بأسرها والقتل يهلك النفوس، وها هما اليوم ما زالا يشفعان بنا ويحثّاننا على عدم الخوف والصلاة والإيمان بأنّ الله حيّ وملك الزمان والمكان والإنسان.
أراد بيو أن يكون راهبًا فقيرًا مصلًّيًا، كذلك أراد شربل، فاعتزلا الصمت والصلاة وترهّبا، تاركَيْن العالم وما فيه من أجل يسوع وأمّه.
عشقا الورديّة وتمسّكا بحبّاتها، فكانت سلّمًا ارتفعا به إلى يسوع، وأعلنتهما الكنيسة قديسَيْن على مذبحها.
هما اليوم منارة لنا تقودنا إلى الرجاء بالقيامة، فلا خوف في الظلام، ولا يأس وسط الإحباط، ويسوع هو حقيقة ثابتة وهبت التواضع والرحمة والعطاء لقديسَيْن متشابهَيْن في إظهار عظمة يسوع ووالدته مريم العذراء وحنانهما.