غيتا مارون
بين النبي إيليّا والقديس شربل، حكاية حبّ عظيم لله وثقة لامحدودة بمحبّته وتسليم مطلق لمشيئته.
القديس شربل مخلوف: ولد في بقاعكفرا، وأبرز نذوره في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، وتنسّك في محبسة مكرّسة للقديسَيْن بطرس وبولس حيث قضى 23 عامًا من حياته “سكرانًا في الله”.
كان مار شربل رجل الله في الإيمان والصلاة؛ تسلّح بحبّه للقربان المقدّس ورفع الصلوات من دون انقطاع لمواجهة التجارب مسلّمًا ذاته إلى الله، وغاص في تأمّل الطبيعة واهتمّ بحراثة الأرض متقشّفًا في المأكل والملبس، حتى فاح عطر قداسته في كل بقاع الأرض.
نبي الله العظيم إيليّا أو القديس “الياس” (في اليونانيّة): ولد في تشبة وعاش في جلعاء، وكان يلبس ثوبًا من الشعر (مسوحًا) ويقضي معظم وقته في البرّية، واعتزل عند نهر كريت، حيث كانت الغربان تأتي إليه بالطعام. بعدما جفّ النهر، ذهب إلى صرفت، ومكث في بيت أرملة لم يفرغ بيتها من الدقيق والزيت طوال مدّة الجفاف، ولما مات ابنها، صلّى إيليّا، فأعاد الله الحياة إليه.
قال الكتاب المقدّس عن النبي إيليّا: “أغلق السماء بكلام الربّ، وأنزل منها نارًا ثلاث مرات. ما أعظم مجدك، يا إيليّا، بعجائبك، ومن له فخر كفخرك؟ أنت الذي أقمت ميتًا من الموت والجحيم بكلام العليّ، وأهبطت الملوك إلى الهلاك، والمفتخرين من أسرّتهم” (سي 48: 3-6).
نار مقدّسة بين جبل الكرمل وعنّايا
في جبل الكرمل، طلب إيليّا من الملك أن يجمع الشعب ويحضر معه أنبياء البعل وعشتروت، متحدّيًا إيّاهم ليثبت لهم قدرة الله على اجتراح المعجزات في مقابل عجز إلههم: من سيرسل النار التي تلتهم المحرقة: الله أم البعل؟
صلّى أنبياء البعل، “ولم يكن صوتٌ ولا مجيبٌ ولا مصغٍ” (1 مل 18: 29)، لكن تضرّعات إيليّا لاقت آذانًا مصغية، فاستجاب الله لصلواته ودعائه، ونزلت نار من السماء التهمت المحرقة، فأقرّ الشعب بأن الله هو الإله الحقيقي.
وفي عنّايا، أضاء القديس شربل سراجه بعدما امتحنه خادم الدير الذي ملأ السراج ماءً بدلًا من الزيت من دون علمه، فأصبح للسراج رمزيّة مهمّة نوّرت سماء لبنان والعالم، فضلًا عن آلاف المعجزات التي أتمّها الله على يده.
تلازمٌ في مسيرة القداسة
لم يذكر الكتاب المقدّس موت النبي إيليّا بل ذكر أن مركبة ناريّة نقلته بعيدًا من الناس إلى حدّ اعتبرته الأجيال حيًّا مدى الدهر…
وبشّر الملاك جبرائيل زكريّا بأن يوحنّا المعمدان سيقدّم المسيح بروح إيليّا وقوّته: “ويتقدّم أمامه بروح إيليّا وقوّته، ليردّ قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيّئ للربّ شعبًا مستعدًّا” (لو 1: 17).
كذلك، يعتبر المؤمنون أن القديس شربل دائم الحضور في عنّايا، ولا سيّما أن الله كرّمه بحفظ جثمانه من التلف بعد وفاته.
نعم! ليست مصادفة أن تحتفل الكنيسة بعيديّ القديسَيْن العظيمَيْن مار شربل ومار الياس في يومَيْن متقاربَيْن، إذ تجمعهما شهادة واحدة لله، وبين غيرة إيليّا وتعبّد شربل تلازمٌ في المسيرة لبلوغ القداسة.