إلسي كفوري خميس
أن تُفرِح الناس وتجعلهم يحبّون الصلاة من خلال الترنيم ليس أمرًا سهلًا، لكنّها نجحت في ذلك عبر صوتها الملائكي العذب والنقي الذي يريح الأذن والقلب. وهي لم تكن تدرك أنّ لصوتها هذا التأثير القوي والعميق على مستمعيه. تركت بصمة خاصة من خلال موهبتها التي نمت معها ونمّتها عن طريق تخصّصها في التربية الموسيقيّة.
عدا عن كونها أستاذة موسيقى، هي فنّانة، ومرنّمة، ومعدّة ومقدّمة برنامج للأطفال، وأمّ لثلاثة أولاد. رغبتها بأن تصبح نجمة في عالم الغناء لم تتحقق على الرغم من خطواتها الكثيرة في هذا المجال، وهي تعتبر ذلك انعكاسًا لمشيئة الله الذي قادها إلى عالم «نظيف» يُشبهها.
إنّها نتالي أبي حبيب التي تخبر «قلم غار» عن اختبارها الروحي ودور الربّ في حياتها.

التزامٌ ديني وقلبٌ واحد
تقول أبي حبيب إنّها ترعرعت في كنف عائلة مسيحيّة ملتزمة دينيًّا عرّفتها على الربّ، فاختارت أن تبقى وتستمرّ معه. وقد تشرّبت تلك المعرفة عن طريق الالتزام بممارسة الشعائر الدينيّة، شارحةً: «كنا ننتظر بفارغ الصبر أيّام الآحاد لنرتدي أجمل ما لدينا من ثياب للذهاب إلى الكنيسة من أجل المشاركة في القداس. وكان ذلك بمنزلة أوّل نشاط نقوم به كأطفال». وتصف عائلتها بالمتلاحمة والمتراصّة، قائلة: «نحن عائلة مكوّنة من خمس بنات وجميعنا “على قلب واحد” دائمًا».
وتستطرد مشيرة إلى أنّ والدتها كانت تحبّ الترنيم لكنّ الله لم يُنعِم عليها بصوت جميل، فطلبت منه أن يرزقها بولد أو بنت يتمتّعان بموهبة غنائيّة. وفي إحدى الليالي، ترى والدتها مريم العذراء في منامها وهي تحمل ولدًا، وتضعه أمام الباب، قبل أن تكتشف أنّها حامل. تحقّق حلمها في ما بعد عندما اكتشفت أن ابنتها تتمتّع بصوتٍ جميل.
موهبة منذ الصغر
موهبة أبي حبيب اكتُشِفَت في الصغر. كانت تتمتّع بحسٍّ نقديّ وبالقدرة على التمييز بين الأصوات الجميلة. تؤكد أنّها كانت تعشق الترنيم، وتقول ممازحة: «كنت أرفض الجلوس قرب والدتي في الكنيسة لأنّها لا تجيد الغناء، بل كنت أجلس إلى جانب والدي الذي كان يتمتّع بصوت جميل».
كانت ترنّم بشكل مستمر ولا إرادي. وتُخبر أنّها لم تكن فتاة سعيدة جدًّا في صغرها، فقد كانت تمرض كثيرًا، وتقضي لياليها في المستشفى حيث كانت ترنّم باستمرار. وتردف: «لم أكن أدري حينها أنّ هذا الأمر سيتطوّر مع الوقت، ويصبح الترنيم كلّ حياتي».
وتضيف: «كنت في السابعة من عمري عندما خضعت لعمليّة جراحيّة في معدتي. وأمضيت حوالى شهر ونصف الشهر في المستشفى حيث كانت الراهبات يتجمّعن عندما كنت أرنّم، وبالأخصّ «يا مريم البكر فقتِ». عندئذٍ، بدأ شعوري بالخجل يختفي، وأصبح الترنيم والغناء بالنسبة إليَّ أمرًا عاديًّا وطبيعيًّا أينما حللت».
تقول أبي حبيب إنّها كانت تشعر بالاكتفاء عندما كانت ترنّم وإنّها وجدت شغفها للغناء في الترنيم. وتشير إلى أنّها في عمر الثالثة عشرة انتسبت الى جوقة الرعيّة، ولاحقًا جوقة «أغابي» قبل أن تُعرَف شخصيًّا بترنيمة «هل أطرق بابك»، وكانت في السادسة عشرة من عمرها. تستطرد: «أدركت حينها بوضوح ماذا يريد الربّ منّي. ومن خلال الترنيم، تعرّفت أكثر عليه. من ثم، كبرت وتزوّجت رجلًا مثاليًّا في الرعيّة التي خدمت فيها، فكان زوجي إيلي الداعم الأكبر في مسيرتي، ووجوده نعمة وبركة».

سرّ القوّة
كانت أبي حبيب بطبعها متمرّدة على الواقع، موضحة: «تعلّمت أن أقول “لتكن مشيئة الله” لكنني لم أكن أعيشها لأنّني شعرت دائمًا بثورة في أعماقي». وتلفت إلى أنّ عائلتها مرّت بظروف مادّية صعبة بعدما تراجع عمل والدها لكنّها وجدت الجواب عند الربّ من خلال الأشخاص المحيطين بها وإيمان والدتها وتفانيها في خدمة عائلتها. تؤكد أنها استمدّت القوّة من الله، قائلة: «حضور الربّ جعلنا في تلك الفترة أقوياء، وجعلني أدرك أنّ الأمور المادّية غير مهمّة».
تجربة غنيّة بالمشاعر
تقول أبي حبيب إنّ الترنيم هو شغفها في الحياة وهويّتها. وتصفه بالتجربة الغنيّة بالمشاعر التي تقرّبها كثيرًا من الله، مضيفة: «نقلنا، زوجي وأنا، حبّنا للترنيم إلى أولادنا الذين أصبحوا بدورهم مرنّمين».
كما تُعدّ «مسيرتها التعليميّة الممتدّة على مدى 18 عامًا بمثابة نعمة إلهيّة لأن العلاقة الطيّبة مع الأطفال تقرّب المرء من الله».

بين النجوميّة ومشيئة الربّ
تؤكد أبي حبيب أنّها لم تقصّر في استثمار الوزنات التي أعطاها إيّاها الربّ، ولم تشعر يومًا بأنّه يريد منها أن تبقى في الكنيسة وأن تمتنع عن الغناء لأنّه أمر معيب. وتعتبر أن الله يكون راضيًا عنها متى استثمرت موهبتها في المكان الصحيح، لكنّ الظروف عاكستها. فقد سجّلت ثماني أغنيات في شريط إلا أنّ موجة الاغتيالات التي سادت حينها أوقفت المشروع. ومن ثم، شاركت في برنامج The Voice، لكنّها لم تصل إلى النهائيّات، وغيرها الكثير من المحاولات التي رُفضِت فيها لأنّها معروفة بأنّها مرنّمة.
وتشرح: «كنت أشعر في قرارة نفسي بأنّني كلّما حاولت أن أكون نجمة في الغناء، كنت أتعثر. ربما لم يرغب الربّ في أن أختار طريق الفنّ “غير النظيف” الذي لا يشبهني. وأدركت أنّ النجوميّة التي كنت أفتّش عنها ليست لي وستسرقني من أمور كثيرة. لكنّ الربّ لم يتوقف يومًا عن القول لي: “فيكِ تغنّي”. وأنا حتى هذه اللحظة لم أتوقف عن الغناء بل أغنّي في مناسبات عدّة لسفيرتنا إلى النجوم فيروز والفنّانة ماجدة الرومي».
نِعَمٌ غزيرة
تقول أبي حبيب إنّ أجمل ما حصل في حياتها المهنيّة يتمثّل في البرنامج الذي تعدّه وتقدّمه على قناة سات 7 تحت عنوان «la fiesta غنّي معنا»، وهو برنامج مخصّص للأطفال، يقوم على تعليمهم تراتيل من خلال قصص تحمل مغزًى روحيًّا. كما يعرض مواهبهم الغنائيّة والموسيقيّة بشكل ينقل فرحهم وتفاعلهم وحبّهم الشديد للموسيقى والترانيم.
وتختم مشاركة اختبارها عبر «قلم غار» بشكر الله على كلّ ما سبق لأنّه قاد سفينة حياتها في الاتجاه الذي وصلت إليه اليوم. كما تحمده على وجوده وعلى النِعَم الغزيرة التي أغدقها عليها، وأهمّها عائلتها وأولادها.