أسرة تحرير «قلم غار»
مفتتحًا السنة اليوبيليّة المقدّسة، أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في خلال ترؤسه اليوم قداسًا إلهيًّا في كنيسة السيّدة في بكركي، أنّ مشكلة لبنان تكمن في فقدان الثقة لدى السياسيين بأنفسهم وببعضهم البعض وبمؤسّسات الدولة.
وحذّر الراعي من التلاعب بتاريخ انتخاب رئيس الجمهوريّة، مشيرًا إلى أنّ السياسيين ينتظرون اسمه من الخارج. ووصف هذه الحالة بـ«عيب العيوب».
وجاء في عظة الراعي ما يأتي:
«الرجاء لا يخيّب» (روم 5: 5)
1.نفتتح في هذا الأحد الذي يلي عيد الميلاد، بحسب توجيهات البابا فرنسيس، السنة اليوبيليّة المقدّسة 2025، وموضوعها كلمة القديس بولس الرسول لأهل روما: «الرجاء لا يخيّب» (رو 5: 5). وقد فتح البابا الباب المقدّس في بازيليك القديس بطرس، ليلة عيد الميلاد، في 24 كانون الأوّل. يفكّر البابا بجميع حجّاج الرجاء الذين يؤمّون روما، مدينة الرسولين القديسين بطرس وبولس، وبالذين لا يتمكنّون من الحجّ إلى روما، ويحتفلون في كنائسهم الخاصة. للجميع اليوبيل الكبير هو زمن لقاء حيّ وشخصيّ مع الربّ يسوع المسيح «باب الخلاص» (يو 10: 7 و9) الذي تعلنه الكنيسة أنّه «رجاؤنا» (1 طي 1: 1).
2.يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وأوجّه تحيّة خاصّة إلى أخينا المطران سيمون فضّول راعي أبرشيّة سيّدة البشارة في أفريقيا الوسطى والغربيّة، والزائر الرسولي على موارنة جنوبي أفريقيا، وإلى الوفد المرافق من أبناء الأبرشيّة. كما نرحّب بأخينا المطران الياس سليمان المشرف على رابطة الأخويّات مع عمدتها رئيسًا وأعضاء. وأوجّه تحيّةً إلى رابطة قدامى الإكليريكيّة المارونيّة، وأوجّه تحيّة خاصّة أيضًا إلى الكشّاف الماروني الحاضر في المناسبات الرسميّة مشكورًا. فأهلًا وسهلًا بكم جميعًا مع التهاني بعيدي الميلاد والسنة الجديدة 2025.
3.وجّه البابا فرنسيس براءة دعا فيها إلى سنة 2025، التي جعلها سنة يوبيليّة مقدّسة، وعنوان البراءة: «الرجاء لا يخيّب» (رو 5: 5). أقتبس من هذه البراءة ما يلي:
في قلب كل إنسان يوجد الرجاء كرغبة وانتظار للخير، وهو لا يعلم ماذا يحمل الغد، وبخاصّة مشاعر متناقضة كالثقة والخوف، كالهدوء والاضطراب، كاليقين والشكّ. غالبًا ما نلتقي أشخاصًا عديمي الثقة، ينظرون إلى المستقبل بالشك والتشاؤم، كأن لا شيء يستطيع أن يقدّم لهم سعادة. فليكن اليوبيل للجميع منعشًا للرجاء.
4.نتكلّم اليوم عن الفصل الأوّل من البراءة وهو بعنوان: «كلمة رجاء» ينطلق البابا من نصّ للقديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما (رو 5: 1-2؛ 5):
فلما برّرنا بالإيمان، حصلنا على السلام مع الله بربّنا يسوع المسيح، وبه أيضًا بلغنا بالإيمان إلى هذه النعمة التي فيها نحن قائمون، ونفتخر بالرجاء لمجد الله، (…) والرجاء لا يخيب صاحبه لأنّ محبّة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهِبَ لنا».
في الواقع، الرجاء يولد من المحبّة، ويتأسّس على المحبّة التي تنبع من قلب يسوع المطعون على الصليب. «فإن صالحنا الله بموت ابنه ونحن أعداؤه، فما أحرانا أن ننجو بحياته ونحن مصالحون» (رو 5: 10). وحياته تظهر في حياتنا بالإيمان الذي يبدأ في المعموديّة، وينمو في نعمة الله. وبالتالي، يحيا من الرجاء المتجدّد دائمًا بفعل الروح القدس. هذا الروح يشعّ في المؤمنين بنور الرجاء الذي لا يخدع ولا يخيّب لأنّه مبني على اليقين بأنّ لا شيء ولا أحد يستطيع أن يفصلنا عن المحبّة الإلهيّة: «فمن يفصلنا عن محبّة المسيح؟ أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟… ولكننا في ذلك كلّه فزنا فوزًا مبينًا، بالذي أحبّنا. وإني واثق بأنّه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا أصحاب رئاسة، ولا حاضر ولا مستقبل، ولا قوات، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، بوسعها أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربّنا» (رو 8: 35؛ 37-39).
هذا الرجاء الذي فينا صامد في المصاعب لأنّه مُؤَسَّس على الإيمان ويغتذي من المحبّة.
5.القديس بولس واقعي. يعرف أنّ الحياة مصنوعة من أفراح وأحزان وبأنّ المحبّة تخضع للتجربة عندما تتزايد المصاعب، فيكتب: «نحن نفتخر بشدائدنا نفسها لعلمنا أنّ الشدّة تلد الثبات، والثبات يلد فضيلة الاختبار، وفضيلة الاختبار تلد الرجاء، والرجاء لا يخيّب» (رو 5: 3-4).
6.إنّ فتح الباب المقدّس يعني فتح القلوب على الأخوّة. فالقلوب المفتوحة تصنع الأخوّة. إنّ القلوب المنغلقة، القاسية لا تساعد على العيش. لذا نعمة اليوبيل هي فتح القلوب على مصراعيها كالباب المقدّس، وفتحها على «الرجاء الذي لا يخيّب» (رو 5: 5). والرجاء مثل مرساة على الأرض الصلدة وفي يدنا حبلها. هذه الصورة نجدها في الرسالة إلى العبرانيين: «وكذلك الله، لما أراد أن يدلّ ورثة الموعد على ثبات عزمه دلالة مؤكدة، تعهّد بيمين. وشاء بهذين الأمرين الثابتين، ويستحيل أن يكذب الله فيهما، أن نتشدّد تشدّدًا قويًّا نحن الذين التجأوا إلى التمسّك بالرجاء المعروض علينا. وهو لنا مثل مرساة للنفس أمينة متينة تخترق الحجاب إلى حيث دخل يسوع من أجلنا» (عب 6: 17-20).
7.إنّ مشكلة لبنان اليوم هي فقدان الثقة لدى السياسيين بأنفسهم، وببعضهم البعض، وبمؤسّسات الدولة.
فقدان الثقة لدى السياسيين بأنفسهم، كما هو ظاهر اليوم في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنتين وشهرين. فإنّهم ينتظرون اسم الرئيس من الخارج، وهذا عار كبير، علمًا أنّنا نقدّر ونشكر للدول الصديقة حرصها على انتخاب الرئيس وتشجيعها للدفع إلى الأمام بعجلة انتخابه. في التاسع من كانون الثاني المقبل أي بعد عشرة أيّام وهو اليوم المحدّد لانتخاب الرئيس ما زال البعض يفكّر بالتأجيل بانتظار إشعارٍ ما من الخارج. وهذا عيب العيوب وهو مرفوض بكلّيته. وحذار اللعب بهذا التاريخ الحاسم.
وثقة السياسيين بعضهم ببعض مفقودة، وهي ظاهرة في عدد المرشّحين المعلنين والمخبّئين وغير الصريحين والموعودين، وكأنّهم لا يجرؤون المجيء إلى البرلمان لانتخاب الرئيس، بانتظار اسم من الخارج.
والثقة بمؤسّسات الدولة مفقودة لأنّ بعض السياسيين لا تعنيهم هذه المؤسّسات، وأوّلها المجلس النيابي فاقد صلاحيّة التشريع، وأن يتوقّف مدّة سنتين وشهرين عن مهمّته التشريعيّة فلا يعنيهم الأمر، ولا تعنيهم مخالفتهم للدستور، ولا يعنيهم الضرر اللاحق بالبلاد. وما القول عن تعطيل بعض القضاء أو السيطرة عليه أو تسيسه من بعض السياسيين، علمًا أنّ القضاء أساس الملك.
وما القول عن عدم ثقة بعض السياسيين بالدولة ككلّ، دستورًا وقوانين وأحكامًا قضائيّة، وإدارات عامّة، واقتصادًا ومالًا ومصارف، وإيداع أموال فيها، وهجرة خيرة شبابنا وشاباتنا وقوانا الحيّة، وكأنّ لا أحد مسؤول عن هذا الخراب.
8.لا أحد يقدّر دور الرئيس الآتي: فأمامه إعادة الثقة إلى السياسيين بأنفسهم، وببعضهم البعض، وبالدولة ومؤسّساتها. وأمامه بناء الوحدة الداخليّة بين جميع اللبنانيين بالمحبّة المتبادلة على أساس من المواطنة اللبنانيّة والولاء للبنان والمساواة أمام القانون. وأمامه إصلاحات البنى والهيكليّات المقرّرة في مؤتمرات باريس وروما وبروكسل.
مثل هذا الرئيس يُبحث عنه، ويُرغم بقبول المهمّة الصعبة، ويحاط بثقة جميع السياسيين واللبنانيين عامّة.
9.فلنُصَلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، من أجل دخولنا الروحي في اليوبيل الكبير لسنة 2025 بروح الرجاء الذي لا يخيّب، وبالتوبة وانفتاح القلوب على محبّة الله والناس؛ ومن أجل الكتل النيابيّة في مشاوراتهم حول شخص الرئيس بحيث يتمّ انتخابه في التاسع من كانون الثاني المقبل. ونرفع نشيد المجد والشكر للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين.
———————————————————-
تجدر الإشارة إلى أنّ الأبرشيّات اللبنانيّة تحتفل بدورها اليوم بافتتاح السنة اليوبيليّة المقدّسة تحت عنوان «حجّاج الرجاء»؛ في بيروت، يحتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر بالذبيحة الإلهيّة في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة. ويترأس راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة المطران أنطوان بو نجم القداس الإلهي في كاتدرائيّة القيامة في الرابية-الربوة-قرنة شهوان. كما يحتفل راعي أبرشيّة جبيل المارونيّة المطران ميشال عون بالذبيحة الإلهيّة في كنيسة مار يوحنا مرقس في جبيل. أما في الجنوب، فيترأس راعي أبرشيّة صيدا المارونيّة مارون العمّار القداس الإلهي في كاتدرائيّة مار الياس الحيّ في صيدا.