غيتا مارون
آمال شعيا، شابة مناضلة حتى الرمق الأخير، متحدّية فقدان البصر الذي لم يشكّل عائقًا في دربها نحو تحقيق أحلامها، تخبر “قلم غار” عن مسيرة نابضة بالآمال المزهرة والبركات الغزيرة والانتصارات الكبيرة.
صفعة مؤلمة وعتاب
“بدأت أعاني من ضعف النظر في عمر المراهقة، ولم أكن أدرك حينذاك أنني أتحضّر لأسير على درب الجلجثة”، تخبر آمال.
“طلب منّي الطبيب صورة لشبكة العين، وتبيّن أنني أعاني من التهاب الشبكيّة الصباغي، وهو اضطراب وراثي يصيب العين ويتسبّب بفقدان الرؤية تدريجيًّا، وصولًا إلى العمى التام”…
رفضت آمال الواقع الجديد الذي فُرض عليها، وقرّرت الإضراب عن الكلام والطعام وغرقت في الحزن الشديد… يا لها من صفعة مؤلمة! فتملّك الخوف قلب أهلها، ولا سيّما أمّها التي لم تكن تستطيع منع نفسها من البكاء كلما رأت حالة ابنتها تسوء.
في تلك الليلة الحزينة، حدّقت آمال في صورة للسيّد المسيح في غرفتها وعاتبته واتّهمته بأنه لا يحبّها لأنه سمح بأن تمرّ في هذا النفق المظلم.
وتتابع آمال: “في اليوم التالي، هزّني صوت في أعماقي دعاني إلى دراسة اللاهوت لأكتشف من هو الله وأبحث عن إرادته في حياتي وأفهم معنى الصليب… وعندما بدأت دراستي في المعهد، وبعد لقائي بالأب الرائع الراحل داوود كوكباني الذي لم يمنعه فقدان بصره من إكمال رسالته وشهادته الصارخة… وجدتُ الأجوبة التي بحثت عنها في العلاقة العميقة التي بنيتها مع الربّ، فغُصْتُ في التأمل بالكتاب المقدّس وآلام المصلوب والقدّيسين… وتأملت في المعجزات التي اجترحها يسوع، ولفتتني كلمتان: “إيمانك خلّصك”، ففهمت أن الإيمان يخلّص وأن خلاصنا الأبدي أهمّ من الشفاء الجسدي… صحيح أنني فقدت البصر لكن نور الربّ يقودني كلّ يوم… وأشعر دائمًا بأنني “قويّة بالذي يقوّيني” على مثال مار بولس”.
سمعان القيرواني في رحلة الألم
شبّهت آمال كل من يقف إلى جانبها ويقدّم لها الدعم بسمعان القيرواني الذي همّ لمساعدة المسيح على حمل الصليب، ولا تنكر أنها ما زالت تعاتب يسوع لأنها لم تختر الصليب بل فُرض عليها، لكنها تقول: “اختبرت كيف أن ألمي ليس لعنة إنما ليتمجّد اسم الربّ، وأيقنت أن الله يريد أن يوجّه عبري رسالة إلى الآخرين”.
أحلام تتحدّى الواقع
تحلم آمال في إيجاد عمل يتناسب مع كفاءاتها العلميّة، وتؤلمها نظرة المجتمع التي ما زالت ظالمة تجاه أصحاب الإرادة الصلبة لأنه يجهل كيفيّة التعاطي معهم، وتدعوهم إلى الاتحاد بالربّ والحوار معه والثورة على كلّ ما يكبّلهم ويفقدهم الحرّيّة.
منذ صغرها، رغبت آمال بأن تترك بصمة في الحياة، لذلك انكبّت على التحصيل العلمي، وهذه الرغبة عزّزتها أمّها التي عبرت إلى الحياة الثانية.
وتختم آمال بمشاركة “قلم غار” أهمّ أحلامها، قائلة: “يتملّكني حلمان: أرضيّ وروحيّ…
عندما نلت الماجستير في الأدب العربي، أهديته لروح أمّي الغالية وما زلت أسعى جاهدة بكل ما أملك من قوّة إلى تحقيق حلمي الأكبر وهو الدكتوراه، بالرغم من كل العوائق التي تعترض طريقي. وصدر لي كتابان: “عيون بلون المغيب” و”أزاهير المستحيل”…
أما الحلم الروحي، فتترجمه آمال بهذه الكلمات التي تهديها إلى روح أمّها جوليا: “كيف أنسى من نزفت الحبّ حتى آخر قطرة من أجل من أحبّت. أمّي، أتوق إليك وعطرك يتسلّل إلى أنفاسي من داخل منديل شعرك ووسادتك البيضاء… أمّي، قلبي الجريح لا يملك غير بخور صلاتك المشتعل في هيكل ذاتي… أنام وأحلم بموعد اللقاء بك من جديد في موطن الفردوس حيث سنهزم معًا جحيم الموت وتتعانق أرواحنا معانقة الأزل ونرقد بسلام في أحضان الحبّ اللامتناهي”…