غيتا مارون
رحلت مينرفا… غابت الأمّ الحنونة، الصادقة، الغالية، المتألمة…
صاحبة القلب الطيّب الذي حضن أبناء العائلة بحبّ، غابت بصمت لأن الأبرار يرحلون من دون ضجيج وبعيدًا من الضوضاء…
الألم الذي عاشته مينرفا تنّوري قبل إصابتها بالمرض ورحيلها، تعجز الكلمات عن التعبير عنه… ألم خسارة الابن الوحيد الحبيب الغالي!
بعدما خسرت وحيدها إيلي، اختبرت مينرفا معنى الوجع العميق الذي تغلغل في شرايينها لسنوات طويلة… تجرّعت كأسه بعد خسارة أربعة أشخاص من عائلتها، لكن الفاجعة الأعظم كانت خسارة ابنها الوحيد إيلي، ابن الـ21 ربيعًا، ضحيّة حادث سير بعدما أردته شاحنة قتيلًا، وهو في طريقه إلى بيروت…
لحظات الوداع الأخير
في ذلك اليوم الحزين، شعرت مينرفا بأن مكروهًا أصاب فلذة كبدها الذي أطلّ على الدنيا بعد 7 سنوات من الانتظار.
عندما عاد زوجها إلى المنزل، وأخبرها بالفاجعة، أُغمي عليها… لم تستطع التصديق… وبدأ مشوارها مع الأوجاع…
باتت مخدّرة تحت تأثير المهدّئات… كان وداع إيلي عرسًا حقيقيًّا، فاهتمّت بأدقّ التفاصيل من الورود إلى أجود أنواع الضيافة، ودعت جوقة لتؤبّنه… انهالت عليه بالقبلات، ولم تصدّق أنّها فقدته…
ومرّت سنوات من الحزن والألم…7 سنوات وهي غارقة في الأوجاع والدموع… احتفظت بأغراضه… ومنذ غيابه، أضاءت الشموع على نيّته كل يوم… وعلى الرغم من أنها سامحت من تسبّب بموته لكنها عاشت في عزلة إلى أن كانت تلك الرحلة…
رحلة الحجّ إلى مديوغوريه بدّلت حياتها
ما الذي حدث مع مينرفا في مديوغوريه، تلك الأرض المقدّسة التي تشهد ظهورات العذراء منذ العام 1981؟
كانت صديقتها نجاة صاحبة الفكرة بعدما ربحت هديّة من خلال اشتراكها في أحد البرامج التلفزيونيّة، فأمّنت تكاليف الرحلة إذ اختارتها إدارة البرنامج لتحقيق أمنية شخص عزيز على قلبها.
وعندما سافرت إلى تلك الأرض الغالية، واحة السلام، طلبت من العذراء إشارة، وقالت لها: إذا كان ابني في جوارك، سأخلع الأسود بعد أكثر من 7 سنوات من الحداد والحزن… وكانت المفاجأة…
وصلتها رسالة، عثرت عليها أمام باب غرفتها، وشعرت بعد استلامها بسلام داخلي وبأن الربّ يصغي إلى أصغر الأمنيات…
وكان لتلك الرسالة التأثير الأساسي لتعبر من الحداد إلى الفرح، وتعود إلى الحياة…
ماذا جاء في تلك الرسالة الغامضة؟
“مينرفا… بفهم وجعك الكبير لأنو إنتِ اختبرتِ ذات الوجع اللي أنا عشته لما خسرت ابني ع الصليب… بس ابني غلب الموت وقام، وأنا عطيتك القوّة لتكمّلي الطريق… إنتِ غالية على قلبي ومهمّة بحياة كتار… 7 سنين لبستِ أسود… إجا الوقت تشلحي الأسود، ورقم 7 علامة النصر… هالرحلة اللي إنتِ فيها رح تساعدك تخلقي من جديد، وتلبسي الأبيض لون القيامة، قلبي الطاهر رح يكون حدّك بكل مراحل حياتك… أنا أكتر شخص بحسّ بوجعك وأكتر شخص رح يكون حدّك…
التوقيع: هالرسالة كتبها شخص بحبّك”…
هذه الرسالة هزّت أعماق مينرفا. حملت أجوبة عن أسئلة كثيرة طرحتها على أمّها الحبيبة مريم. أحسّت بالفعل كأنها تخاطبها، وتؤكد لها أنها كانت تعبر معها صحراء الألم، وتشاركها صليب الأوجاع، وتدعوها إلى القيامة…
وعلمت فيما بعد هويّة كاتبة الرسالة التي كانت إحدى المشاركات في رحلة الحجّ، وأصبحتا صديقتين بعد عودتهما إلى بيروت، وأخبرتها بأن رسالتها كانت بمثابة إشارة سماويّة وجاءت ردًّا على أسئلتها… وتلقّت إشارة أخرى تمثّلت بظهور أمّنا العذراء بتاريخ 12 من الشهر الذي سافرت فيه، ذكرى وفاة ابنها، فاتخذت القرار بإنهاء الحداد والعودة إلى المشاركة في الأعراس وتلبية الدعوات إلى المناسبات السعيدة…
وتأكدت مينرفا في قرارة نفسها بأن ابنها ملاك في السماء، وكان الربّ يمدّها دائمًا بالقوّة لحمل الصليب وإكمال المسيرة… واختبرت أن “الروح يشفع فينا بأنّات لا توصف” (روما 26: 8)…
اليوم، ها هي مينرفا ترتدي الأبيض وتعانق إيلي في السماء!
لا حداد بعد اليوم، بل سعادة أبديّة وعناق حبّ أبديّ!
مينرفا… كنتِ أمًّا مثاليّة للجميع… شكرًا للطيب الذي نشرته في قلوبنا… شكرًا لمحبّتك وصلواتك التي رافقتنا!
المسيح قام! حقًّا قام!