غيتا مارون
طفل كفيف موهوب، يبصر بقلبه وينشد بفرح ليسوع المسيح.
منذ ولادته، جذبته الموسيقى، فتعلّم العزف على 3 آلات لتعانق أنامله «اللغة العالميّة للبشريّة»، كما وصفها الشاعر الأميركي هنري وادزورث لونغفيلو.
يحمل اسم شفيعه القديس شربل مخلوف، واضعًا في عهدته باقة من الأمنيات والطلبات.
يحلم بأن يبصر يومًا ما، ويرفع صلاته لتتحقق هذه الأمنية إن شاء الله.
إنّه الطفل شربل عاد، ابن الـ11 عامًا، الذي يخبر «قلم غار» عن اختباره النابض بحبّ يسوع ومار شربل وباندفاع قوي لخوض غمار الحياة.

يسوع صديق شربل
يبهر شربل من يتعرّف إليه بعمقه وذكائه وطيبته ومواهبه المتعدّدة ومحبّته لأترابه، فهو يرنّم ويغنّي ويعزف، وبدأ يؤلّف ويلحّن، حتى إنّه أسمعنا أوّل ترنيمة ألّفها ولحّنها بعنوان «بحبّك يا يسوع».
سألنا شربل: «كيف تلتقي بيسوع المسيح؟». فأجاب: «ألتقيه عندما أشارك في القداس أو في الصلاة. عندئذٍ، أشعر بأنّ صوتي بلغ يسوع وبأنّه يقف إلى جانبي في كل خطواتي. اللقاء معه مميّز بكل ما للكلمة من معنى. عندما يلتقي الإنسان به، يُشَرَّعُ باب قلبه ويشعر بالأمان والراحة والدفء».
يلمس شربل حضور الربّ قربه دائمًا، قائلًا: «أحيانًا، أكون خائفًا لكنّني أتذكّر أنّ يسوع قربي، فأتشجّع وأستعيد إيماني بذاتي».
ويعبّر شربل عن مخاوفه من خسارة أحد أحبّائه، شارحًا: «أخاف على أهلي الذين ربّوني بحنان. وأحبّ المدرسة اللبنانيّة للضرير والأصمّ-بعبدا التي غمرتني بحنانها وجعلتني أكمل مسيرتي. أحبّ جميع المعلّمات والمعلّمين، وأقدّر مساعي مديرة المدرسة ماري-روز الجميّل إذ بذلت أقصى جهودها لتجعل مدرستي قادرة على الاستمرار».

شربل وشفيعه ابن بقاعكفرا
يتحدّث شربل عن علاقته بالقديس شربل مخلوف، فيقول: «هو شفيعي وشفيع لبنان كلّه. باسم الله يصنع المعجزات. أحبّه كثيرًا. أطلب منه أن يشفي المرضى بشفاعة مريم العذراء».
يحلم شربل بأن يبصر، ويطلب من يسوع ومار شربل أن يتمكّن من الإبصار مع أترابه في المدرسة.
كما يحلم بمستقبل مشرق، ويرغب في أن يصبح موسيقيًّا أو أن يكرّس حياته للصلاة أو أن يعدّ الطعام ويوزّعه على الفقراء.
يشير شربل إلى أنّه تعرّض للتنمّر عندما أطلّ عبر صفحة أحد المشاهير، فتمحورت تعليقات بعض المشاهدين حول التساؤل عن قدرته على الفهم والتعبير لأنّه كفيف.
ويضيف: «أرغب في أن أقول لهؤلاء الأشخاص إنّني أحفظ عن طريق السمع وأفهم الكلام الذي يُقال أمامي. لا تُقاس الأمور بالعين أو البصر فحسب. النظر ليس كل شيء في الحياة».
يرفع شربل الشكر لله على النعمة التي منحنه إيّاها، موضحًا: «لو لم أكن أعمى، لما انضممت إلى رفاقي في المدرسة، وبات لديّ دافع كبير في الحياة».

نعمة في حياة والدة شربل
بدورها، لارا عاد، والدة شربل، تشارك «قلم غار» اختبارها: «عند ولادة ابني، لم نلاحظ أنّه لا يرى. شككنا بخطبٍ ما في نظره، فاستشرنا طبيبًا قال إنّ الأمر طبيعي، وإنّ أطفالًا كثيرين يحتاجون إلى الوقت ليكتمل نظرهم، حتى يعبروا الأربعين يومًا».
وتوضح: «لم أعانِ من أيّ مشكلة في الحمل. بعد مرور أربعين يومًا على ولادة شربل، اصطحبناه إلى الطبيب مجدّدًا، فقرّر إجراء فحص تخطيط لعينيه.
صُدِمْنا بنتيجة الفحص؛ شربل لا يرى، ولا أمل في أن يرى. نوع العمى الذي أصابه نادر جدًّا (1 من كل 100 مليون شخص)».
وتضيف: «في الفترة الأولى، تعبنا نفسيًّا وجسديًّا لكنّنا سلّمنا حياتنا لإرادة الله واعتبرنا أنّه منحنا نعمة في حياتنا. تلقّينا الدعم من أهلي وأهل زوجي وأقاربي».
تخبر لارا عن اكتشاف موهبة ابنها: «لاحظنا أنّ شربل يتمتّع بأذن موسيقيّة منذ طفولته، ووجدنا مدرسة مناسبة له عندما كان يبلغ من العمر حوالى سنة و8 أشهر. تعرّفتُ إلى أستاذَي الموسيقى غابي خليل وبركات جبّور. أخبرتهما عن حبّه للموسيقى. أعطياه دربكة، فعزف عليها. عندئذٍ، نصحاني بأن أجلب له هذه الآلة الموسيقيّة. وهذا ما حصل».
وتواصل سرد اختبارها بفرح، قائلة: «في طفولة شربل، كنت أجعله يستمع إلى الموسيقى، فكان يتبع الإيقاع ويعزف الألحان لاحقًا. عندها، اكتشفنا موهبته».
وتقول: «شربل هو من يمدّنا بالدعم، وليس نحن مَن ندعمه. هو يركّز على السمع، ويقدّر المسافات. شربل يعزف على 3 آلات: بيانو وأورغ ودربكة، ويؤلّف ويلحّن ترانيمَ وأغنيات. كما أنّه يميّز النوتة الموسيقيّة عند الاستماع إلى الأغاني».
وتتابع: «عندما نزور دير مار مارون في عنّايا، يصلّي شربل بصوتٍ عالٍ ويعبق صوته في المكان، فيشاركه الجميع الصلاة بفرح».

عينان مزروعتان في قلب
تتضرّع لارا للربّ في كل لحظة كي يتمكّن شربل من الإبصار يومًا ما، متمنّيةً أن تهتم الدولة بأصحاب الهمم، ولا سيّما المكفوفين.
وتختم لارا سرد اختبارها عبر «قلم غار» برفع الشكر إلى الله على النعمة التي أغدقها على أسرتها، وهي أنّه باركها بشربل.
قبل إنهاء المقابلة مع شربل ووالدته، أعربتُ لهما عن سعادتي بالتعرّف إليهما وإعجابي الشديد بشربل المبدع، قائلة: «إنّ عينيك مزروعتان في فؤادك وليس في وجهك فحسب»، فأجاب شربل بقلبٍ مفعم بالامتنان لله والتسليم لمشيئته: «لا شيء يمكنه أن يتغلّب على إرادة الله. الشيطان لا يستطيع أن يغلب ربّنا. الخير هو المنتصر الدائم».
