غيتا مارون
طبيب لبناني مؤمن وملتزم بتعاليم الكنيسة، رغب في إيصال رسالة مفعمة بالفرح من عمق الألم وعابقة بطيب الأمل كي يحمل البشرى إلى المرضى، فاختار الترنيم في خلال إجراء العمليّات الجراحيّة لأن إنشاد التراتيل يمنحه السلام والإيمان والثقة في كل ما يقوم به، وقرّر اتّباع تعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة في أشرف المهن التي اختارها.
إنه الدكتور آلان شلهوب، طبيب جراحة نسائيّة وتوليد، وأب لثلاثة أولاد، يخبر “قلم غار” عن مسيرة نابضة بالبركات الإلهيّة والأنغام السماويّة.
بين الطبّ وتعاليم الكنيسة!
“منذ نعومة أظفاري، كان الربّ حاضرًا في مسيرتي، وشعّ نوره في كل لحظة من حياتي، وفي كل القرارات التي اتّخذتها”، يخبر د. شلهوب.
“تجلّى دور الله في حياتي المهنيّة إذ اخترت اختصاص الجراحة النسائيّة والتوليد لأنني أعرف أنه يضمّ الكثير من التناقضات مع التعاليم الكنسيّة، على سبيل المثال رفض الكنيسة وسائل منع الحمل والإجهاض وطفل الأنبوب لمعالجة العقم في مقابل تشجيع الطبّ النسائي اعتماد هذه الوسائل أو الحلول المطروحة، فاخترت الطبّ لأنني أردت أن أكون طبيبًا نسائيًّا مسيحيًّا أوصل كلمة الله وصوت كنيستي من خلال مهنتي.
جعلني خياري أواجه صعوبات عديدة في حياتي، وعشت صراعًا داخليًّا إذ طُلب منّي، في خلال دراستي، القيام بأمور تناقض إيماني (المشاركة في عمليّات إجهاض، تركيب لولب…)، فكنت أرفض فعلها”.
الله بارك قراري
ويقول د. شلهوب: “تأكدت أن الله بارك قراري، في خلال رحلة الحجّ إلى مديوغوريه في السنة الأولى من تخصّصي في الطبّ، بعد لقائي كاهنًا أجنبيًّا في سرّ الاعتراف، فوصلتني رسالة واضحة مفادها أن الله سيبارك الأيدي التي ستفيض الحياة من خلالها. عندئذٍ، شعرت بأن الربّ يريد أن أعمل في هذا المجال، بمباركة العذراء مريم.
كثرت الصعوبات إلى أن تخرّجت، وبدأت ممارسة مهنة الطبّ؛ على الرغم من العثرات التي تعترض طريقي، إلا أن صلاتي وحضور الله في حياتي يشكّلان دافعًا أساسيًّا من أجل المثابرة في طريقي، والتمسّك بإيماني، وإيصال البشرى إلى المريضة التي ألتقيها كي أوجّهها بطريقة مسيحيّة قدر الإمكان”.
لهذه الأسباب أرنّم في خلال العمليّة الجراحيّة…
ويخبر د. شلهوب: “التزمت في جوقات عدّة، وترأست جوقة دير القديسة تريزيا الطفل يسوع في سهيلة. ومن ثمّ، أصبحت مدير جوقة “فيفا ماريا” (أنا نائب مديرها حاليًّا)…
أدرّب الأصوات على الإنشاد، وأهتمّ بالموسيقى، ما جعلني أكتب الترانيم وألحّنها. أنا مؤمن جدًّا وأصلّي قبل إجراء أي عمليّة جراحيّة، وعندما أكون متوجّهًا إلى العيادة، أطلب من ملاكي الحارس أن يرافقني، ويلهمني العلاج الأفضل المرفق بإيصال روح الله إلى كل مريضة ألتقيها.
أنا شديد الاتكال على يسوع المسيح وملاكي الحارس. لذلك، أرنّم في خلال العمليّة الجراحيّة، وأشعر بأن الترنيم صلاة تجعلني أكثر تسليمًا إلى الله وتساعد المريضة لتلمس حضوره في تلك اللحظات.
أحيانًا، تشارك المريضة في اختيار الترانيم التي ترغب في الإصغاء إليها في خلال إجراء العمليّة…
ألجأ إلى مار شربل في العمليّات لأنه طبيب السماء، وأطلب شفاعته مرنّمًا “يا غافي وعيونك”…
نعم! إن الترنيم يمنحني السلام والإيمان والثقة في كل ما أقوم به”.
لأنني ربحت الملكوت…
ويضيف د. شلهوب: “لا أصف أي علاج ترفضه الكنيسة (اعتماد وسائل منع الحمل، طفل الأنبوب…) لكنني أوجّه المريضة طبّيًا، فأطلعها على رأي الطبّ والكنيسة في الوقت عينه.
في حالات كثيرة، قد يعاني أحد الثنائي من العقم، ولا مجال طبّيًا من أجل الإنجاب إلا باعتماد طفل الأنبوب؛ حينذاك، أنصح الزوجين بالتوجّه إلى كاهن، ورفع الصلاة، داعيًا إيّاهما إلى التركيز على نعمة الله التي تعمل في حياتهما وتجعلهما يحصلان على هذه النعمة.
وفي أحيان كثيرة، يحدث الحمل من دون اللجوء إلى طفل الأنبوب…
أؤمن بأن نعمة الله لا تنتظر منّي أن أقوم بأي أمر ضد تعاليم الكنيسة من أجل منح هبة الحياة، بل إنها تفيض بها من دون اللجوء إلى “نوع من الخطيئة” للحصول على مُرادي…
قد تلجأ المريضات إلى أطبّاء آخرين يعتمدون الوسائل التي ترفضها الكنيسة، ما يؤثّر على دَخْلي، لكنني لا أكترث بالخسائر الماديّة لأنني ربحت الملكوت… يقول الكتاب المقدّس: “يا جاهل، في هذه الليلة تُؤخذ منك نفسك، وما أعددته لمن يكون؟” (لو 12: 20)…
إنني أربح نفسي والنفوس التي أحاول إيصال يسوع المسيح إليها! نعم، أنا أربح يسوع، وهذا الربح هو الأهمّ بالنسبة إليّ!”
يسوع يغمرني بحبّه
ويرفع د. شلهوب الشكر إلى الربّ قائلًا: “أحمد الله على حبّه الكبير الذي ألمسه في كل لحظات حياتي وكل قراراتي!
أشعر بأن حبّه يدعمني ويدفعني إلى الاتحاد به في حبّ كبير يفيض في الأسرة والعمل، وأشكره على النعمة الكبيرة التي منحني إيّاها كي أكون قادرًا على تجسيد مسيحيّتي في الطبّ والعائلة والجوقة!
إنه الفرح الكبير والأهمّ على الرغم من كل الصعوبات والأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتردّية التي نرزح تحت ثقلها… إن يسوع يغمرني بحبّه اللامحدود من خلال مشاركتي بالصلاة والقداس الإلهي، ويمنحني السلام كي أكمل مسيرتي!”