ماري حنّا
يتغنّى لبنان بأشجار الأرز التي تغطّي قمم جباله، وقد اتّخذها رمزًا وشعارًا له زيّن بها صدر علم الجمهورية اللبنانيّة. وعُرف شجر الأرز منذ القدم، خصوصًا في الحضارة الفينيقيّة، وجاء ذكره أكثر من مرّة في الكتاب المقدّس.
تنتشر غابات الأرز في عددٍ من المناطق اللبنانيّة، تحوّلت بمعظمها إلى محميّات.
من بين هذه المحميّات “غابة أرز تنّورين”، مُلكيّة مشتركة بين تنّورين وحدث الجبّة وكفور العربة ونيحا وقنات والبطريركيّة المارونيّة، لكنها تسمّى عمومًا “غابة أرز تنّورين” لأن معظمها يقع في أراضي خراج تنّورين.
تمتدّ المحميّة في سفح جبل المكمل وتحت قمم قضاءيّ البترون وبشرّي على مساحة 625 هكتارًا أي 6 كلم مربّع في خراج 5 قرى، ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1400 و1850 مترًا.
أصبحت محميّة طبيعيّة بموجب قانون رقم 9، في 24 شباط 1999، يمنع هذا القانون “أيّ نشاطٍ يضرّ بالبيئة داخل الغابة من صيد أو رعي أو إشعال نار أو تخييم أو قطع أشجار أو أعشاب…”، وتديرها لجنة المحميّة بالتعاون مع وزارة البيئة.
تُعدّ هذه الغابة واحدة من أكبر غابات الأرز في لبنان من حيث المساحة وأكثرها كثافة وتنوّعًا، ويشكّل شجر الأرز حوالى 80% منها؛ تتخلّلها تلال، وقمم ووهاد، وأخاديد صخريّة وكهوف طبيعيّة، وتتفجّر في سفحها وأوديتها مجموعة من الينابيع العذبة، لتغدو ملجأ للطيور والحيوانات.
في العام 2006، أُعلنت المحميّة منطقة مهمّة للطيور على الصعيد العالمي، وتُعتبر مساحةً إيكولوجيّة وعلميّة متخصّصة في التنوّع البيولوجي والنباتي والحيواني.
وبهدف تسهيل حركة المشي في الغابة، من دون المساس بالحياة البرّيّة، أقامت لجنة المحميّة بالتعاون مع قيادة الجيش والبلديّات المتعاقبة والمؤسّسات المانحة، شبكة ممرّات في الغابة تتّصل ببعضها ليتسنّى للسائح أن يزور مختلف أرجائها، فيتمّ التجوال داخل المحميّة وفقًا لخريطة تبيّن ممرّات محدّدة يسلكها الزائر مع إشارات للدروب وطولها ومعدّل الوقت اللازم لسلوكها ووعورتها.
وتوضح الخريطة المشاهدات التي يمكن رؤيتها فيها (نباتات أو أشجار أو طيور…)، ويستغرق المشي في كل منها بين ساعة و5 ساعات. وفي المحميّة أيضًا، درب المحابيس في وادي عين الراحة، الممتدّ من تنّورين حتى حردين، وهو شبيه بوادي القديسين، ويضمّ عددًا من المحابس التي عاش في إحداها الحبيس الماروني الأب أنطونيوس طربيه، وهو ابن قرية حردين التي ينتهي إليها المسار.