ماري حنّا
يُعْرَفُ المسيحيّون في لبنان بتكريمهم مريم العذراء، فقلّما تجد بلدة أو قرية أو منطقة لبنانيّة ولا تجد فيها كنيسة أو مزارًا على اسمها. المعلم الديني الذي سنتناوله اليوم هو مزار أمّ المراحم في بلدة مزيارة الواقعة في قضاء زغرتا.
بُنِيَ مزار أمّ المراحم بفضل جهود ابن مزيارة الراحل مرسال رامز الشاغوري الذي أراد تكريم مريم العذراء بتشييد صرح ديني على اسمها، فكان «مزار أمّ المراحم».
راودت الشاغوري فكرة بناء المزار المريمي منذ سبعينيات القرن الماضي، لكنها لم تبصر النور إلا في التسعينيات. وكانت النقطة الأهمّ إيجاد قطعة أرض ملائمة لبناء المزار عليها، فكانت الإشارة إلى المكان من خلال حلم زوجة الشاغوري بأن المشروع مبنيّ على أجمل قطعة أرض في بلدة مزيارة، وكانت هذه الأرض ملكًا للبلديّة. اعتبر الشاغوري أن هذا الحلم رسالة من العذراء، فاستأجر قطعة الأرض وباشر بالعمل.
افتُتِحَ المزار في 6 أيلول 1992، يوم دشّنه المطران أنطون جبير، راعي أبرشيّة طرابلس آنذاك. واعتُمِدَ هذا التاريخ عيدًا خاصًّا بهذا المزار.
قبل سنتين من المباشرة بأعمال البناء، أوصى الشاغوري على تمثال العذراء من إيطاليا، وهو شبيه بتمثال سيّدة لبنان في حريصا لكنّه مؤلّف من قطعة حجريّة واحدة منحوتة.
مدخل المزار عبارة عن قنطرتَيْن يرتفع فوقهما ملاكان حارسان يوحيان بالرهبة، انطلاقًا من اعتبار الشاغوري أن الحرّاس يجب أن يكونوا ذات رهبة ليجسّدوا قيمة المكان المقدّس ويفرضوا على الناس احترامه.
بعدما تَلِجُ القنطرتَيْن إلى يمين المدخل، تجد مغارة الميلاد التي بدأ العمل على تنفيذها عام 2000. من ثم، تدخل في ممرٍّ طويل يوازيه ممرّ آخر للخروج. وعلى يمينَي الممرّين، تنتصب تماثيل لرسل المسيح الاثني عشر، وهذه التماثيل صُنِعَت في لبنان.
عند نهاية الممرّ الأيمن، تكون قد وصلت إلى ساحة مزار أمّ المراحم؛ الساحة كلّها خضراء، فيها من الأزهار والأشجار والاخضرار الطبيعي ما جاء متناسقًا في التصميم والهندسة والتنفيذ، فأعطى سحرًا وجمالًا لا مثيل لهما. والجدير ذكره أن تصاميم المزار كلّها عائدة لأفكار الشاغوري.
في وسط هذه الساحة الخضراء، يرتفع تمثال أمّ المراحم فوق برج على علوّ لافت، وقد شُيِّدَت في أسفله كنيسة على الطراز الحديث. وأمام مذبحها منحوتات تجسّد العشاء السرّي، وفوق مدخل الكنيسة مشهد محاكمة يسوع. وفي أعلى المبنى كنيسة ثانية للسجود أمام القربان المقدّس.
كما تضمّ الساحة مجسّمًا ليسوع المسيح، ومنحوتات تجسّد مشاهد مختلفة من الإنجيل: بشارة العذراء، الهروب إلى مصر، عرس قانا الجليل، مشهد بستان الزيتون، الموت على الصليب، القيامة…
وعند مخرج المزار منحوتة تجسّد معموديّة المسيح في نهر الأردن على يد مار يوحنا المعمدان.