طوني لطيف
ليست مصادفة أن يفارق القديس نعمة الله الحرديني الحياة قبل أيّام من عيد ميلاد معلّمه وربّه. ليست مصادفة أن يكون هو من اختار أن يولد من جديد في مغارة كان يقصدها للصلاة قبل ذهابه إلى الدير. ليست مصادفة أن يتّحد بشراكة أبديّة مع الآب في مغارة أرادها أن تبقى شاهدة حتى يومنا هذا على الإيمان الذي نشره قديس كفيفان أينما ذهب، هذا الإيمان الذي اختبره في عمله اليومي مع الجماعة في الدير، هو المعلّم والمدبّر، المرشد والراهب، نقل الوزنات التي أغدقها الله عليه إلى القديس شربل وغيره من الرهبان الذين عرفوه وأحبّوه عبر تعليمه، فكان مثالًا في التواضع والقيادة وفي حياة عاشها بصمت وصلاة وخدمة وطاعة.
لكلٍّ منا مغارته، نعم!
هي مغارة نحيا فيها أيّامنا المعدودة؛ نعيش فيها فرحنا وحزننا، نعيش فيها محبّتنا وبغضنا، نختبر فيها الأنانية والكراهية… مغارة ليست كسواها من المغارات؛ جدرانها بلا أفق، حجارتها سوداء، أرضيّتها زلقة، نضع فيها كل الشرور التي تدمّرنا كل يوم… وكم من مغارة قصدناها في يوميّاتنا ونسينا المغارة التي أراد يسوع أن نولد فيها… أليس هو من خلقنا على صورته ومثاله؟ أليس هو من أراد أن تكون قلوبنا مغارة له؟ أليس هو من اتّخذ من قلوبنا مكانًا يعيش فيه شراكة معنا حيثما ذهبنا؟
إن دفء المغارة الذي شعر به القديس نعمة الله قاده إلى القداسة وحوّله من يوسف الصبي إلى قديس كفيفان. هكذا نحن متى اختبرنا هذا الدفء سيقودنا حتمًا إلى القداسة، بعيدًا عن ظلمة الحجارة التي وضعناها حاجزًا حول أفئدتنا.
هلمّوا نجعل الحبّ يلوّن قلوبنا!
هلمّوا نترك الإيمان يدحرج الحجارة التي نغلق بها أبواب قلوبنا!
هلمّوا نعبر من مغارة إلى أخرى، حاملين في أعماقنا الحبّ الذي اكتشفه هذا القديس الكبير، الراهب المطيع، نسير معًا طريق المسيح، و«الشاطر يللي بيخلّص نفسو».