غيتا مارون
على درب القداسة، تسير الكنيسة المارونيّة بخطى ثابتة، وتفرح بتكريم شهداء سطّروا قصصًا خالدة مكلّلة بالإيمان والشجاعة. بين هذه الشهادات الصارخة، تبرز حكاية الإخوة المسابكيين الموارنة الذين ضحّوا بحياتهم دفاعًا عن إيمانهم المسيحي في دمشق عام 1860.
في حديث خاص إلى «قلم غار»، تناول المطران غي بولس نجيم، النائب البطريركي السابق في نيابة صربا ورئيس لجنة متابعة ملفّ تقديس الإخوة المسابكيين الموارنة، جهود الكنيسة المارونيّة في ملفّ الشهداء الثلاثة، مؤكدًا أهمّية رسالتهم في العالم المعاصر.

اهتمام الكنيسة المارونيّة بملفّ المسابكيين
الكنيسة المارونيّة في لبنان أولت ملفّ الإخوة المسابكيين اهتمامًا كبيرًا على الرغم من أنّهم دمشقيّون.
في هذا السياق، أوضح المطران نجيم: «عندما استشهد الإخوة المسابكيّون عام 1860، كانت أبرشيّة دمشق تمتدّ من سوريا حتى البحر المتوسط. وكان المطران بشارة الشمالي، المقيم في عشقوت-كسروان آنذاك، مسؤولًا عن شؤون الأبرشيّة، فتابع ملفّهم بالتنسيق مع الفاتيكان ولبنان، وصولًا إلى إعلان تطويبهم في العام 1926. لهذا السبب، كان للكنيسة المارونيّة في لبنان دورٌ في متابعة ملفّ تقديسهم».
من هنا، أصبح ملف المسابكيين جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الكنيسة المارونيّة في بلاد الأرز، حيث تُظهر الكنيسة إيمانها العميق بالقداسة التي تتجاوز الحدود الجغرافيّة وتوحّد الشعوب تحت مظلّة الإيمان.
أوّل شهداء موارنة من الشرق
المسابكيّون هم أوّل شهداء موارنة من الشرق كُرِّمُوا على مذابح الكنيسة الكاثوليكيّة، بحسب المطران نجيم.
واجه ملفّ الإخوة المسابكيين تحدّيات كثيرة على مرّ الزمن، أهمّها تقلّب الأحداث السياسيّة والدوليّة، مثل اتفاقيّة سايكس بيكو وتقسيم الشرق الأوسط، مرورًا بالحروب العالميّة التي صرفت الانتباه عن هذه القضيّة. كما استقطب إعلان قداسة مار شربل اهتمام الناس، وهو قديس عظيم واجترح معجزات كثيرة.
وتابع المطران نجيم: «بعد العثور على إناء من كريستال يحتوي على عظام الإخوة المسابكيين في عشقوت قرابة عام 2002، أعدنا إحياء ملفّ الشهداء الثلاثة بالتنسيق مع البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير. منذ ذلك الحين، قمنا بنشاطات متنوّعة للتعريف عن حياتهم وشهادتهم، ونشرنا كتيّبًا وصورًا تحمل صلاتهم، ساعين إلى تقديسهم».
قداسة بلا معجزة
إلى ذلك، واصل المطران نجيم الحديث عن مسار إعلان قداسة الإخوة الموارنة: «طلبنا من الإخوة المسابكيين التدخّل الروحي لإقناع البابا بإعلان قداستهم من دون أعجوبة. وهذا ما حصل فعلًا».
وأضاف: «في البداية، طلبنا حصول معجزة بطريقة خجولة لأنّ ظروفنا صعبة جدًّا. متابعة الأعجوبة مربكة ومكلفة (التوكيل والأبحاث…). القداسة لا تُعلَن إلا بقرار من الحبر الأعظم. للبابا الحقّ في إعلان قداسة شخص، حتى وإن لم يكن شهيدًا. في القانون الحالي، في حالة الاستشهاد، يجب أن تُجترح أعجوبة بشفاعة خادم الله إلا إذا قرّر البابا إعلانه قديسًا».
وأكد المطران نجيم أنّ الإخوة الشهداء يعملون على المستوى الروحي لأنّ هدف الأعجوبة تغيير الإنسان، وهم يشفعون من أجلنا لنتوب إلى الربّ.
رسالة الإخوة المسابكيين إلى العالم
يحمل الإخوة المسابكيّون رسالةً مهمّة إلى العالم المعاصر، مفادها أنّ القداسة ليست حكرًا على الإكليروس، بل هي دعوة للجميع.
«الكنيسة تعي اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أنّ للعلمانيين دورًا في إيصال الرسالة المسيحيّة. لقد كان المسابكيّون علمانيين عاديين؛ أحدهم تاجر، والآخر أستاذ، والثالث خادم بسيط. لكنهم، كعائلة مسيحيّة، قدّموا شهادة صارخة عن الثبات في الإيمان وصولًا إلى الاستشهاد»، بحسب النائب البطريركي السابق في نيابة صربا.
وختم المطران نجيم حديثه عبر «قلم غار»، مشدّدًا على أنّ قمّة القداسة تتمثّل في يسوع المسيح الذي يدعونا إلى الكمال على مثال أبينا السماوي ويؤكد لنا أنّه معنا حتى انقضاء الدهر.
تقديس الإخوة المسابكيين دعوة إلى المؤمنين كي يكونوا شهودًا للإيمان في حياتهم اليوميّة، ويدركوا أنّ القداسة ممكنة في كل المجالات. إنّهم مثال حيّ لثمار العائلة المسيحيّة الصالحة في نثر بذور القداسة في العالم.