غيتا مارون
«بفضل حلول الروح القدس، يصبح الأسقف شبيهًا بالمسيح الراعي والكاهن» (مقتطف من كلمة ألقاها البابا فرنسيس في 8 أيلول 2018).
وُلِدَ في 10 آب 1967، ابن بلدة هرهريّا-القطين في فتوح كسروان. دعوته أزهرت في الخامسة لينطلق في مسار فائض بالروح القدس والتسليم الكلّي لمشيئة الله.
احتضنت مسيرته حوالى 52 عامًا من المحبّة والإيمان والعطاء، وتوهّجت حياته بالصدق والشفافية والاندفاع والتجديد.
يُحيي النفوس بكلمة الحقّ، وينهض بالرعيّة بقلبٍ نابض بالحبّ الإلهي، وينير دروبها بتواضع وحزم وجرأة.
فريد ومتفرّد، قائد منفتح على الجماعة. إصغاؤه للروح القدس جعله «سينودسيًّا» قبل السينودسيّة.
واجه التحدّيات في حياته بقوّة الإيمان التي زوّدته بالعزم على التغيير والتجدّد ليكون راعيًا أمينًا في خدمة الكنيسة.
في فؤاده نور ونار، وفي روحه شعلة متأجّجة بكلمة الحياة المتدفّقة من الخالق.
إنّه راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة المطران أنطوان بو نجم الذي يشارك «قلم غار» شهادة حياته منذ طفولته، مرورًا باكتشافه دعوته الكهنوتيّة، ووصولًا إلى نيله الدرجة الأسقفيّة، بقلبٍ يفيض بمواهب الروح القدس.
-كيف تصفون حضور الله في حياتكم منذ الطفولة والمراهقة، وصولًا إلى اكتشاف الدعوة الكهنوتيّة؟
حضور الله ليس علميًّا بل «كياني». اختبرت وجود الربّ في حياتي من خلال أهلي ومدرستي ورعيّتي. جميع أفراد عائلتي ملتزمون في الكنيسة. ساعدتني البيئة المسيحيّة التي ترعرعت فيها كي أكتشف حضور الله، وأنا ممتنّ لها.
عندما كبرت ونضجت، اتّخذت القرار بأن أكمل المسيرة. كما كنت ملتزمًا في الحركة الرسوليّة المريميّة.
-متى تفتّحت براعم دعوتكم؟
في الخامسة من عمري، تفتّحت دعوتي. الربّ دعاني، وأنا استجبت لندائه…
عندما يشعر المرء بالدعوة في سنّ مبكرة، لا يعرف مصيره. عندما دعا الله مريم العذراء لتكون والدة يسوع، لم تفهم ما ينتظرها. هذه هي حال المدعوّين، فهُم لا يعرفون ما سيحلّ بهم. يتجاوبون مع الدعوة كل يوم في مسيرة النموّ.
لا يعرف الإنسان أنّه مدعو إلا حين يضع الأسقف يده على رأسه، ويقول له: «لقد أصبحت كاهنًا!».
-يوم الرسامة الكهنوتيّة مهمّ في حياة الكاهن، كيف تصفونه؟
رُسمت كاهنًا في 10 تمّوز 1994؛ كان يومًا مهمًّا على الصعيد الروحي، وأردته بسيطًا، فلم أهتمّ بالأمور اللوجستيّة بل عشتُ ملء اللحظة في روحانيّتها وعمقها.
بفضل النعمة الإلهيّة التي ألمسها كل يوم، أحيا بفرح وسلام، ولا سيّما في حضور القربان.
-لماذا اخترتم البتوليّة؟
كان الاختيار صعبًا لأنّنا نستطيع الزواج قبل الارتسام في الكنيسة المارونيّة. تعرّفت إلى صبايا لأختبر إذا كنت مدعوًّا للزواج لكن الأمور لم تنجح. حينها، قرّرت أن أختبر سنة من دون تعارف. سافرت إلى إيطاليا حيث اكتشفت وجوب ألا أتزوّج. شعرت بأنّني سأعطي وقتي الكامل ليسوع والرعيّة والرسالة، وكنت متأكدًا من عدم إمكانيّة وجود مساحة للمرأة والعائلة في حياتي.
كان عليَّ أن أختار بين الزواج أو الكهنوت، فاخترت الحياة الكهنوتيّة واتّخذت قرار التبتّل؛ كرّست وقتي للربّ فحسب.
-من الكهنوت حتى الدرجة الأسقفيّة، كيف تختصرون هذه المرحلة؟
امتدّت هذه المرحلة من 1994 لغاية 2020: كانت خاطفة وجميلة جدًّا؛ حين يغني الإنسان وقته بالنشاطات ولا يفكر بذاته، لا يشعر بمرور الزمن. في المقابل، تولد تعاسة الإنسان من التركيز على الأنا ومبتغاها، ما يجعله يحسّ بأنّ الوقت يمضي ببطء.
عندما يهب المرء حياته للآخرين، الله يساعده ويمدّه بالقوّة. الربّ هو الراعي، وأنا تبعته. لذلك، شعرت بأنّ الوقت الماضي قصير.
-ما أبرز المحطات أو السمات التي ميّزت تلك الفترة؟
أبرز ما طبع هذه المرحلة العلاقة مع الناس؛ لقد خصّصت وقتًا كبيرًا لبناء علاقاتي معهم، سواء في الرعيّة أم المدرسة. درّست التعليم المسيحي في مدرسة القديس يوسف-قرنة شهوان، وكنت مرشدًا للكشافة فيها. كان تواصلي دائمًا مع الناس، وشعرت بأنّ الربّ منحني كاريزما تجعلني قريبًا منهم، وقدرة على التعامل معهم ببساطة وسهولة.
عندما قرّرت الابتعاد عن هذه العلاقات في سنواتي الكهنوتيّة الأخيرة، قبل أن أصبح أسقفًا، رغبت في التنسّك، بعيدًا من الناس. أحببت الإسكيم الرهباني والاختلاء بالله في الدير، وقلت في قرارة نفسي: «حان الوقت لأقوم بقفزة نوعيّة في حياتي». بعدما أمضيت وقتي مع الناس، وأحببتهم وأحبّوني، قرّرت أن أتوجّه إلى الحياة الديريّة؛ حياة الصلاة والعمل في الأرض.
وددت إخبار راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة السابق المطران كميل زيدان بقراري لكنه أُصيب بالمرض وانتقل إلى الحياة الأبديّة.
انتظرت انتخاب الأسقف الجديد لأخبره بالأمر، وإذ بي أكتشف أنّني المطران المنتظر!
في تلك اللحظة، شعرت كأنّ الربّ يقول لي: «إلى أين تذهب؟ ارجع!». أهداني الله صليبًا أكبر من السابق، وأعادني إلى الحياة مع الناس. شكّل انتخابي أسقفًا مفاجأة لي لم أتوقعها، ولم يترقّبها أحد.
-كيف تلقّيتم خبر انتخابكم أسقفًا؟
علمت مسبقًا بأنّ المطارنة يتداولون اسمي قبل حوالى سنة من انتخابي. لم أصدّق في البداية…
عادةً، يُنتخَب الأساقفة الجدد في شهر حزيران. بسبب جائحة كورونا، تأجّل الانتخاب حينذاك إلى تشرين الأوّل.
أودّ أن أخبركِ بما حصل معي عشيّة انتخابي أسقفًا؛ حللت ضيفًا في منزل أحد الأصدقاء. في تلك الليلة، كان الظلام يخيّم على المكان. أبصرت من الشرفة حمامة بيضاء. لم يرها أحد غيري، ولم أفصح لأحد عمّا شاهدته. قلت في قرارة ذاتي: «سأحتفظ بهذا السرّ لنفسي». شعرت بأنّ ما رأيته ليس صدفة، بل علامة من الروح القدس تبشّرني بأنّني سأصبح أسقفًا.
في اليوم التالي، جرى الانتخاب، وسُرِّبَ اسمي بطريقة غير متوقعة، علمًا بأنّه لم يكن من المفترض أن يحدث ذلك. سرعان ما أدركت أنّني انتُخِبت. الإعلان الرسمي لانتخابي حصل في آذار 2021، لكنني كنت قد انتُخِبت فعليًّا في تشرين الأوّل 2020. في خلال أربعة أشهر، وجب عليّ التزام الصمت التام إذ إنّ تسريب الاسم قد يؤدي إلى سقوط الانتخاب. الفاتيكان يوقف عمليّة الانتخاب في حالات مماثلة لوجوب إجراء تحقيق والتأكد من أهليّة الشخص المُنتخَب ليكون أسقفًا.
في آذار، تلقّيت اتصالًا من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يخبرني فيه بأنّ انتخابي قد أُعْلِنَ رسميًّا، وهكذا أصبحت أسقفًا.
-متى احتفلتم بسيامتكم الأسقفيّة؟ كيف تصفونها؟
احتفلت برسامتي الأسقفيّة في 9 نيسان 2021. كان يومًا شبيهًا باحتفالي بالرسامة الكهنوتيّة؛ كنت مرتاحًا جدًّا ربّما لأنّني سمحت ليسوع والروح القدس بالسكن فيَّ، ما غمرني بالسلام. لا قلق ولا خوف. يشعر الإنسان براحة عميقة حين يحيا بشفافية مطلقة، ولا يخفي شيئًا، ولا يحمل في حياته ما يُدان عليه أو يخجل منه. كان هذا اليوم جميلًا جدًّا.
يشبه هذا الإحساس ما يختبره الإنسان في يوم زفافه، حين تغمره السعادة ويحسّ بأنّ الأمور تسير كما يجب. من ثم، تبدأ المسؤوليّات، وتظهر المشكلات، وتطلّ تحدّيات الحياة، مثل الأولاد ومتطلبات الأسرة. كان هذا النهار أشبه بعرس؛ غمرتني السعادة وعانَقَتْ جميع المحيطين بي.
في اليوم التالي، تبدأ التحدّيات، فيُطلَب حينها التحلّي بطول البال، والقدرة على احتواء الآخرين، ومحاولة مساعدتهم بمحبّة وصبر. في غمرة هذه المشقات، يكمن الجمال. أحبّ التحدّيات ومعرفة مواجهتها.
-كيف تختصرون الفترة الممتدّة من انتخابكم أسقفًا حتى الساعة؟
كانت تلك المرحلة مفعمة بالمغامرات والتحدّيات. سألني البعض: «كيف ستدير الأبرشيّة؟ أنت كاهن عادي وقد أُلقيت عليكَ مسؤولية أبرشيّة كبيرة». فأجبت: «الروح القدس هو الذي يدير الكنيسة، وليس المطران».
ما زلت أعيش هذه الفترة بروح التسليم لله، وسأستمر بالسير على هذا الدرب؛ سأواصل صلاتي اليوميّة أمام القربان المقدّس وسجودي الدائم له، مخاطبًا إيّاه: «أنتَ الذي تدير الأبرشيّة، وليس أنا. امنحني قوّة التمييز، ونعمة التواضع، وقدرة الإصغاء والتحاور والاعتذار. هبني قلبًا رحبًا كي أصغي إلى الجميع، وأجمعهم بروح المحبّة».
لقد عملتُ على بناء فريقي، وها هو اليوم فريقٌ متماسك يعمل بانسجام. ترسّخ الاحترام بين الأعضاء، وأصبحوا أكثر صبرًا وتفهّمًا لبعضهم البعض. بالطبع، لا تزال هناك تحدّيات تحتاج إلى اجتماعات لإيجاد حلول لها وترتيب الأمور. في بعض الأحيان، اضطررت إلى إجراء تغييرات في الفريق لأنّ البعض لم يستطع الانسجام مع المجموعة.
إنّها ورشة عمل لا تنتهي، والمهم أن يكون الروح حاضرًا؛ ذلك الروح الذي أشار إليه البابا فرنسيس في سياق حديثه عن السينودس. أستطيع القول إنّني سبقت هذا التوجّه إذ أطلقت شعاري الأسقفي «نسير معًا لنكون واحدًا» في نيسان 2021، قبل أن يطلق البابا فرنسيس السينودس في تشرين الأوّل من العام عينه.
أنا لا أعمل وحدي. أحرص دائمًا على اختيار أشخاص أقوياء يتمتّعون بالكفاءة والقدرة على النقاش، ولا أختار من يكتفي بالاستماع وتنفيذ التعليمات من دون اعتراض. لا أستطيع التعامل مع هؤلاء إذ أحتاج إلى فريق يناقشني ويصوّب الأمور عند الضرورة. أريد أن أشعر بوجود هذا الفريق حولي، بعيدًا من الجمود. أبحث عن أشخاص يثيرون النقاش ويدفعونني إلى التفكير، حتى لو اختلفنا أو اشتد النقاش بيننا، فهذا دليل حياة وحيويّة في العمل المشترك.
-ما أبرز الخطوات التي قمتم بها من أجل تحسين أحوال الأبرشيّة منذ استلامكم زمام الأمور فيها حتى الساعة؟
أهمّ هذه الخطوات تكمن في إدارة الأبرشيّة وكيفيّة اتخاذ القرارات في المطرانيّة. أيّ قرار يُتَّخَذ في لقاء تشاوري. أرسينا نظامًا إداريًّا يعتمد على لقاءات شهريّة تضمّ 5 نواب أسقفيين، بالإضافة إليَّ. نجتمع لبحث شؤون الأبرشيّة واتخاذ القرارات الناتجة عن دراسة ومداولات مشتركة. نخرج من الاجتماع باتفاقٍ واضح حول القرارات المزمع تنفيذها.
أعتقد أنّ هذا النهج لم يكن معتمدًا قبل استلامي زمام الأمور، وهو يشكّل نقلة نوعيّة في إدارة الأبرشيّة. هذا الأسلوب يريحني كثيرًا لأنّه يعكس روح السينودسيّة، حيث تسود المشاركة والتشاور، ليس فقط في العمل الرعوي بل أيضًا في السياسة الإداريّة.
أنا لا أسمح لنفسي باتخاذ القرارات في المطرانيّة إلا في الاجتماعات، فيُناقَش القرار ويُتَّخَذ بشكل جماعي، ثم نبدأ بتنفيذه وفق آليّة واضحة ومحدّدة.
نعمل حاليًّا على إطلاق المجلس الأبرشي قريبًا، وسيشمل الهيكليّة التنظيميّة والراعويّات والمجالس. منذ ثلاث سنوات، انطلقت ورشة العمل وهي مستمرة لإعادة الهيكلة والتطوير. واستعنّا بعلمانيين متخصّصين في الإدارة لمساعدتنا في وضع هذه الهيكليّة، وما زالوا يرافقوننا حتى اليوم.
في الماضي، كانت اللجان موجودة، لكنها لم تكن متطوّرة. اليوم، طوّرناها وزدنا عدد الراعويّات، وأضفنا لجانًا جديدة، أبرزها لجنة التخطيط والإدارة والاستراتيجية. حاليًّا، لدينا أكثر من 20 لجنة ومكتبًا وراعويّة تعمل بشكل منظّم ومتناسق لخدمة الأبرشيّة.
-من شفيعكم من القديسين والقديسات في مسيرتكم الكهنوتيّة وصولًا إلى الأسقفيّة؟
الشفعاء في حياتي كثر، ولكلّ منهم مكانة خاصة في قلبي: مار أنطونيوس الكبير الذي أحمل اسمه يحتلّ مكانة مميّزة في حياتي الروحيّة.
أحبّ القديسة تريزيا الطفل يسوع جدًّا، وقد وضعت صورتها في مكتبي وهي في الثامنة من عمرها لترافقني بروحها الطفوليّة المفعمة بالإيمان.
القديس شربل، حبيب الجميع. أمّا القديس يوحنا بولس الثاني، فأعتبره نموذجًا يُحتذى به وراعيًا عمل من أجل كنيسته وبلاده.
-بين الكهنوت والدرجة الأسقفيّة، كيف لمستم يد الربّ في أوقات الضيق؟
كنّا نواجه مواقفَ صعبة تصل أحيانًا إلى طريق مسدود. كنت أسأل الله حلّ المشكلات، فتُستجاب صلواتي. ربّما يساهم الربّ بنسبة 90% من الحلّ، بينما يعود الفضل في الـ10% الأخرى إلى طبعي.
طبيعتي ليست تصادميّة؛ أحبّ الجمع والمصالحة والصبر والصمت لتحسين الأمور. لا أحبّ أن «أصبّ الزيت على النار»، ولا أستسيغ التحدّث بالسوء عن الآخرين. أشعر دائمًا بأنّ يد الله ترافقني.
لم أسمح لنفسي يومًا بأن أفشي للناس ما يقوله الآخرون في غيابهم، بل أحاول دائمًا أن أستر عليهم وأعمل على المصالحة. الله منحني هذه القوّة لأتحكّم بمشاعري لأنّني لا أقدر تحمُّل شخص يخطئ أمامي أو يعيش عكس تعاليم الإنجيل. في حالات مماثلة، أصرخ في وجهه، لكن الله منحني القدرة على الحفاظ على هدوئي لأتعامل مع الموقف بحكمة.
أحيانًا ينتابني الغضب، فأحسّ كأنّ الإنسان القديم قد «أفلت منّي». عندها أقول لنفسي: «يجب أن أعود إنسانًا جديدًا». في هذا السياق، يتحدّث مار بولس في رسائله عن الإنسان القديم والإنسان الجديد؛ الجديد حاضر دائمًا، لكن القديم قد يظهر أحيانًا.
أندم عندما «يفلت منّي» الإنسان القديم، لكنني أعود للسيطرة على الوضع، فأهدّئ نفسي وأعيد الأمور إلى نصابها. أتواصل مع الشخص المعني، وأجتمع به، وأقدّم اعتذاري له بصدق، حتى يعود الهدوء سائدًا.
كان لكل الصعوبات والتحدّيات التي مررت بها في حياتي حلٌّ بطريقة عجائبيّة.
-ما الأمور التي تقلقكم؟ ما الذي يفرحكم؟
أخاف على كنيستي في لبنان؛ أقلق على الكنائس والأديار. أخاف على الحضور المسيحي في بلاد الأرز. يجب ألا أشعر بالخوف لكنه يتسلّل إلى قلبي. لا أريد للرسالة أن تتوقف أو أن تتعرّض للأذى في لبنان. علينا أن نكملها. أودّ أن تتوقف الحرب، وأن تستمر هذه الرسالة. لا أخاف من المرض أو عدم توفّر المال، بل من أن يأتي أحد ويؤذينا أو يبعدنا عن وطننا.
أحبّ لبنان جدًّا، ولا أريد أن أغادره أو أُهجّر منه. أحبّ كنائسنا ووادي قنّوبين وعنّايا وبيئتي.
من جهة أخرى، يفرحني أن أرى الآخرين يتصالحون أو أن ينطلق مشروع عالق. الحلول للأمور العالقة تسعدني، كأن نعلم بانتهاء الحرب، فهذا يفرحني كثيرًا. كما تسعدني العلاقات الطيّبة بين الناس.
-في حال تولّيتم دورًا قياديًّا أعلى في الكنيسة، ما البرنامج الذي تضعونه من أجل تعزيز مسيرتها؟
هذا الدور كبير وصعب بالنسبة إليَّ. إذا حصل هذا الأمر، لن أرفض إرادة الربّ. لن أسعى إلى هذا المنصب، كما لم أسعَ للكهنوت والأسقفيّة. الربّ اختارني.
البابا بنديكتوس السادس عشر هو مثالي في كيفيّة وصوله إلى البابويّة. لم يطلب شيئًا أبدًا. عندما اعتلى السدّة البابويّة، كان يستعد للتقاعد، متوجّهًا إلى أخيه في بفاريا ليستمع إلى الموسيقى ويعزف على البيانو ويؤلف الكتب…
إذا اختارني الربّ لهذه المهمّة، سأكمل المسيرة كما بدأتها في أبرشيّة أنطلياس المارونيّة أي بالاتكال على الروح القدس والعمل السينودسي مع المطارنة، بالإضافة إلى العمل الجماعي مع العلمانيين. تُتَّخَذ القرارات بالتشاور مع المتخصّصين والمطارنة وجميع العاملين في مختلف الملفات الاقتصاديّة والسياسيّة والكنسيّة، كما تسير الأمور في البطريركيّة التي تعتمد على لجان كثيرة، أي اتّباع النهج عينه.
-في النهاية، علامَ ترفعون الشكر إلى الربّ؟
أشكر الله على عائلتي التي احتضنتني ووهبتني بذور الدعوة. أحمده على والدتي ووالدي الراحل وإخوتي وأعمامي وأخوالي وجميع أفراد العائلة. أسرتي رائعة تنبض بالمحبّة والمغفرة والكرم؛ أنا ابنهم وشقيقهم جميعًا.
وأشكر الله على الرعيّة التي ترعرعت فيها بالزلقا إذ كان لها فضل كبير على حياتي الكنسيّة والكهنوتيّة.
وأحمده على مدرستي «سان جورج» (الزلقا) التي نشأت فيها، وأصبحت الآن مسؤولًا عنها في الأبرشيّة.
كما أشكر الله على المدرسة الإكليريكيّة البطريركيّة في غزير، وعلى حركة الفوكولاري لأنّني تعمّقت في دعوتي في خلال التزامي بها واستمددت روحانيّتي الكهنوتيّة منها.
كذلك، أحمد الربّ على جميع الكهنة الأصدقاء والعلمانيين الذين تعاونت معهم، وعلى فريقي العامل معي من أجل المضي قدمًا في الرسالة.