فرنسيس وعبد المعطي ورفائيل مسابكي، الإخوة المسابكيّون، ثلاثة موارنة اختصروا تاريخًا مجيدًا وخطّوا بدمائهم بطولات إيمانيّة لا يزال التاريخ يشهد لها حتى اليوم.
كان الإخوة الثلاثة معروفين بتقواهم وكرم أخلاقهم وحسن معاملتهم وعطفهم على الفقراء والمحتاجين.
في 10 تمّوز 1860، لجأ الإخوة إلى دير الرهبان الفرنسيسكان في دمشق، هربًا من سخط العثمانيّين، وتحديدًا الوالي أحمد باشا السفّاح الذي أراد القضاء على المسيحيّين، بعدما فرضت معاهدة باريس (30 أيّار 1856) على السلطان العثماني عبد المجيد “إعلان المساواة” بين رعايا السلطنة وإلغاء امتيازات المسلمين. هذا الأمر زاد الوضع سوءًا بين الطرفَيْن، ولا سيّما في لبنان وسوريا، وأشعل شرارة الحرب.
عندما أضرم المسلّحون النار في الحيّ الذي يقطنه المسيحيّون، دخل اللاجئون مع الرهبان إلى الكنيسة، فصلّوا واعترفوا وتناولوا القربان المقدّس.
وظلّ فرنسيس وحده في الكنيسة، يصلّي جاثيًا أمام تمثال الأمّ الحزينة. بعد منتصف الليل، دخل الدير جمهورٌ من الرعاع، مدجّجين بالسلاح، فذُعر اللاجئون، ولاذ بعضهم بالفرار في حين اختبأ البعض الآخر.
وهرع الباقون إلى الكنيسة ليحتموا فيها. أخذ المسلّحون ينادون فرنسيس، فدنا منهم، غير آبه بما ينتظره، قائلًا: “أنا فرنسيس مسابكي، ماذا تطلبون؟” أجابوه: “جئنا ننقذك وذويك شرط أن تجحدوا الدين المسيحي، وتعتنقوا الإسلام، وإلا فإنكم تهلكون جميعكم”. فسارع إلى القول: “إننا مسيحيّون، وعلى دين المسيح نموت. إننا نحن معشر المسيحيّين لا نخاف الذين يقتلون الجسد، كما قال الربّ يسوع”.
من ثمّ، التفت فرنسيس إلى أخوَيْه، وقال لهما: “تشجّعا واثبتا في الإيمان لأن إكليل الظفر معدٌّ في السماء لمن يثبت إلى المنتهى”. فأعلنا، فورًا، إيمانهما بالربّ يسوع بهذه الكلمات: “إننا مسيحيّون ونريد أن نحيا ونموت مسيحيّين”.
عندئذٍ، انهال عليهم المسلّحون بالضرب والطعن، فنالوا إكليل الشهادة، وجادوا بحياتهم من أجل إيمانهم بالمسيح.
أعلن البابا بيّوس الحادي عشر تطويب الإخوة الثلاثة في 10 تشرين الأوّل 1926.
تُعيّد لهم الكنيسة المارونيّة في 10 تمّوز، ذكرى يوم استشهادهم، وتكرّمهم لأنهم ثبتوا في إيمانهم حتى الشهادة، معتبرين أن خيرات الدنيا لا توازي لحظة من المجد الذي سيتجلّى في يوم الربّ.