أسرة تحرير «قلم غار»
في ظلّ الأوضاع المتردّية، عقدت المدارس الكاثوليكيّة في لبنان اليوم مؤتمرها السنوي الثلاثين بعنوان «التربية على المواطنيّة من أجل مجتمع أكثر ديمقراطيّة» في جامعة الروح القدس-الكسليك، بحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وبطريرك الأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان، ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات، وحشد من الفاعليّات الرسميّة والتربويّة والاجتماعيّة.
أكد الراعي في كلمته أنّ التربية على المواطنة تشكّل أساسًا في الانتماء إلى الدولة، معتبرًا إيّاها في صلب الكيان اللبناني الذي يفصل بين الدين والدولة.
وتابع: «بفضل هذه الميزة، يتمّ الانتماء إلى لبنان من خلال المواطنة، لا من خلال الدين. فالدولة اللبنانيّة تفصل الدين عن السياسة، ولكن لا تفصل السياسة عن الله. وبهذا يتميّز لبنان عن الدول المجاورة بـ”حرّية الاعتقاد المطلقة”، وعن الدول الغربيّة بـ”تأدية فروض الإجلال لله تعالى ولجميع الأديان والمذاهب”، وبإقرار “نظام الأحوال الشخصيّة” في كل ما يمسّ بجوهر هذه الأديان. فالدولة لا تسنّ شرائعَ منافية لجوهر أيّ دين».
وأشار البطريرك الماروني إلى أنّ «التربية على المواطنة تنفي الخوف والتردّد والازدواجيّة إذ تُربّي المواطنين على العيش في مجتمع أكثر ديموقراطيّة لكون الدستور اللبناني يؤكد أنّ لبنان جمهوريّة ديموقراطيّة برلمانيّة تقرّ بكل الحرّيات العامّة».
صياغة مشروع وطني تربوي رائد
من جهته، شدّد الأب يوسف نصر، الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان، على أنّ انعقاد هذا المؤتمر وسط التحدّيات الجسيمة تأكيد لإصرار المدارس الكاثوليكيّة على بناء مستقبل تربوي يليق بتطلّعات الأجيال الصاعدة.
وأوضح أنّ أهمّية المؤتمر تكمن في بحث دور المدرسة الكاثوليكيّة في صياغة مشروع وطني تربوي رائد يساهم في بناء لبنان الغد حيث يعيش جميع اللبنانيين معًا بسلام وأخوّة، ويتمتّعون بالمساواة تحت سقف القانون.
وقال إنّ التحدّي الأكبر يكمن في كيفيّة تحويل التربية على المواطنيّة إلى حقيقة ملموسة في المدارس من أجل إعداد جيل قادر على تحمُّل مسؤوليّاته الوطنيّة.
وفنّد نصر المواضيع الساخنة المطروحة حاليًّا، أبرزها خطر إقفال قسري لبعض المدارس، وتحدّيات تربويّة قاسية جدًّا، منها البلبلة التي خلّفها إقرار القانون 15/12، وتدنّي المستوى التربوي والتعليمي، وهجرة خيرة الشباب والمعلّمين في القطاع الخاص، وتدخّل السياسة في بعض شؤون التربية، والفراغ في وزارات الدولة، والتلكؤ في استكمال تشكيل المجالس التحكيميّة التربويّة، وتجميد مرسوم تشكيل مجلس الإشراف على صندوق التعويضات.
ولفت إلى أنّ «ما يزيد الأمور تعقيدًا يكمن في أنّ القوانين التربويّة الحاليّة أصبحت بالية، ما يشلّ قدرة المدارس الكاثوليكيّة على الاستجابة لظروف الأزمة الحاليّة والمتغيّرات السريعة التي تشهدها العمليّة التعليميّة في القرن الحادي والعشرين، ما يتطلب سلّة إصلاحات قانونيّة متكاملة».
رؤية المدارس الكاثوليكيّة للمستقبل
أمّا في ما يتعلّق بالرؤية للمرحلة المقبلة، فاعتبر نصر أنّ الحلّ النهائي للأزمة يتمثّل في إقرار قوانين جديدة تُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، مؤكدًا السعي إلى ضمان استمرار فرصة التعلُّم لجميع التلاميذ اللبنانيين من خلال استقطاب المزيد من المساعدات وتفعيل المكاتب الاجتماعيّة في المدارس والحضّ على التضامن بين المواطنين.
وشرح أنّ تحقيق الأهداف المرجوّة يتطلّب اتّخاذ الخطوات الآتية: أوّلًا، تفعيل دور هيئات الأمانة العامّة وتعزيز التعاون والتشاور مع وزارة التربية والتعليم العالي، واللجنة النيابيّة التربويّة، ونقابة المعلّمين في لبنان، واتّحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكيّة، والشركاء الأجانب والمحلّيين، والجامعات اللبنانيّة والخاصّة، والمؤسّسات التربويّة العامّة والخاصّة. ثانيًا، ترقُّب صدور مناهج تربويّة جديدة تُراعي الحداثة والتطوّر من دون المساس بالثوابت الأخلاقيّة والقيم الإنسانيّة العريقة. ثالثًا، مؤازرة المدارس الكاثوليكيّة الموجودة على الحدود الجنوبيّة. رابعًا، ضرورة تشريع جديد لمعالجة قضايا الضمان وتعويض نهاية الخدمة للمعلّمين، والمدخل الوحيد إلى ذلك يكمن في إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة. خامسًا، بقاء الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة حجر الزاوية وصمّام الأمان للتربية في لبنان، وإعطاء الأولويّة في المدارس الكاثوليكيّة لتعزيز التربية على المواطنيّة.
ورأى نصر في ختام كلمته وجوب «التكاتف ومواصلة العمل بشجاعة وإصرار، مدعومين بإيماننا برسالتنا التربويّة لأنّ مستقبل لبنان يعتمد على الجهود المشتركة التي نبذلها اليوم في تعزيز قيم المواطنيّة والديمقراطيّة في الأجيال الصاعدة».
تجدر الإشارة إلى أنّ مؤتمر «التربية على المواطنيّة من أجل مجتمع أكثر ديمقراطيّة» تخلّلته كلمات تمحورت حول شجون القطاع التربوي وأهمّية النظام التعليمي المتجدّد وأسس المواطنيّة الحقيقيّة.