غيتا مارون
كاتبة لبنانيّة راقية من جذور أرمينيّة، تخط المشاهد بيراعها، فتغيّر ذهنيّة المجتمع لأن كتابة الدراما مدماكٌ في مسيرة التوعية والتغيير وتوجيه دفّة الأفكار والعقول.
عملت في التمثيل أكثر من 13 عامًا. من ثم، انتقلت إلى الكتابة لأن عالم القلم جذبها، فكرّست له وقتها. في رصيدها حوالى 85 عملًا لبنانيًّا ومشتركًا (مسلسلات طويلة أو قصيرة، وأفلام سينمائيّة).
صنعت شخصيّاتها وحمّلتها قضايا مهمّة، فناصرت المظلوم وأعلت صوت الحقّ.
حلم إيصال كلمتها أبصر النور، فلاقت أعمالها استحسان الناس، وشعرت بأن يد الله معها دومًا.
غرفت من ينبوع الحبّ، وحوّلت الورق إلى نبضات صارخة.
إنها الكاتبة كلوديا مرشليان التي تشهد عبر «قلم غار» لحضور الربّ الدائم في كل مراحل حياتها، وتخبر بقلبٍ متهلّل بالشكر عن مسيرة نجاح خطّها الله في حياتها بأحرف من نور.
-كيف يتجلّى حضور الله في حياتك؟
ترعرعت في عائلة مؤمنة، وأيقنت أن الإيمان خلاصي، ولا سيّما في أوقات الضيق. قساوة الحياة جعلتني أفهم قول يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم».
ألمس حضور الله في حياتي من خلال يسوع ومريم العذراء وجميع القديسين الذين أحبّهم وأعتبرهم صلة وصل بيني وبين المسيح وأمّه. أتحدّث مع الربّ، رافعة صلاتي إليه. تارةً أعاتبه، وتارةً أخرى أشكره.
إيماني ليس أعمى، بل هو إيمان مفعم بالرجاء ويجعلني أبلغ السلام. أسعى بكل قواي لأعكس صورة الله على الأرض.
-كيف تلمسين دور الربّ في تخطي الصعوبات؟
يد الله ترفعني دائمًا. منذ بداياتي، أشعر بأن الله يراني ويرافقني، ويمسك بيدي، ولا يتركني. يعطيني الكثير لأنني أعطي الكثير أيضًا. أؤمن بأن ما يصلني يجب أن يكون لي ولغيري.
في خلال الأزمة الاقتصاديّة وجائحة كورونا، خسرت مدّخراتي في المصارف. في الوقت عينه، توقفنا عن العمل. كما أن والدي تقدّم في العمر، ولم يعد قادرًا على الحراك، ولازم الفراش حوالى 9 أشهر. واجهنا ظروفًا صعبة. قلت لله: «أنا في أسوأ حالاتي، ولم أعد أملك شيئًا، ولا أعمل حاليًّا. أرغب في أن تنتهي حياة والدي بطريقة مشرّفة». وهذا ما حصل.
لا أعرف كيف سارت الأمور وفُتحت أبواب الرزق! نعم، لقد دبّر الله كل شيء حتى إنني لم أقع أبدًا ولم أتقاعس عن القيام بواجباتي أو مساعدة الآخرين. الربّ حاضر معي ويعينني في اليوميّات والمادّيات والصحّة وأدقّ التفاصيل، ولا سيّما في وقت الشدّة أي عندما أخسر إنسانًا أحبّه أو أعرف أن أحدًا من أحبّائي مريض. كان وجود الربّ لافتًا في حياتي عند فقدان الأحبّاء، وبخاصة عند خسارة أبي (منذ سنة ونصف السنة). عندئذٍ، فهمت أهمّية الإيمان.
-في رصيدك حوالى 85 عملًا (مسلسلات وأفلام)، ما المسلسل الأحبّ إلى قلبك؟
أحبّها كلّها، أذكر منها: «ع اسمك»، «أمّ البنات»، «بردانة أنا»، «ثورة الفلاحين»، «باب إدريس»، «روبي»، «الشقيقتان»، «أجيال»، «جذور»، «غلطة عمري»، «مدام كارمن»، «لونا»…
مع مسلسل «روبي»، بدأت الأعمال المشتركة (بان آراب). تلاه الكثير من الأعمال اللبنانيّة والمشتركة.
-أيّ مسلسل من باقة مسلسلاتك حمل صوتك أو سلّط الضوء على قضيّة معيّنة رغبتِ بقوّة في إيصالها من خلاله؟
مسلسلات كثيرة حملت صوتي، أذكر منها مسلسل «بردانة أنا» الذي تناول قصّة رجل قتل زوجته. في ذلك العام، ارتُكبت جرائم كثيرة (4 أو 5)، منها مقتل منال عاصي ورلى يعقوب وغيرهن. أردت الإضاءة على هذه القضيّة من خلال هذا المسلسل.
تعني لي قضيّة أخرى كتبتُ عنها في مسلسل «ورد جوري» الذي يتناول اغتصاب شباب قاصرين فتاة قاصرة تخرّجت في الجامعة. عالجت هذه القضيّة عبر تسليط الضوء على حالة المغتصب (بمَ يشعر؟ كيف توصّل إلى شنق نفسه)…
كذلك، يتناول مسلسل «بكّير» الزواج المبكر، وقد لعب الممثّل عمّار شلق دورًا رائعًا فيه وبرعت الممثّلة كارول الحاج أيضًا في أداء دورها.
-في مسلسلَي «ع اسمك» و«أمّ البنات»، تحدّثتِ بجرأة عن يسوع ومريم العذراء والميلاد، لم يكن لديكِ أيّ تخوّف من خسارة عروض إنتاج في السوق العربيّة؟
كتبتُ هذين المسلسلين للميلاد، وتناول كل منهما يسوع المسيح، لكنني تحدّثتُ عن يسوع ومريم العذراء في مسلسلات أخرى عرُضت في الدول العربيّة.
في مسلسل «أجيال»، تحدّثتُ عن مريم، وشخصيّات أخرى. قصدنا ديرًا للراهبات، ولعبت دور راهبة. كذلك، لعبت الممثّلة باميلا الكيك دور إحدى الشخصيّات المدعوّة تمارا. تدخل الكنيسة وتتحدّث مع يسوع وتعاتبه أمام الصليب، قائلة: لماذا فعلتَ هذا الأمر؟ لماذا تركتني؟ لماذا لا تجذبني إليك؟
عُرِضَ هذا المسلسل في الدول العربيّة، ولم يُحدِث أيّ مشكلة.
نحن نخاف من ردّة فعل الآخرين أكثر من اللازم. كما نتابع -نحن المسيحيين- مشاهدَ تعبّر عن الدين الإسلامي، من دون مشكلات أو تعصّب.
أنا أطلقت على أبطال مسلسلاتي أسماءً تدلّ على الأديان، في وقت كانت الأسماء في المسلسلات الأخرى حياديّة مثل عادل ووسيم، كتبت مسلسل «أحمد وكريستينا». وتجرأت على كتابة مشهد أحدث خضّة: عندما تقصد كريستينا أحمد في محلّه، في وقت الصلاة، فتراه ساجدًا يصلّي. تندهش وتهرول باكية. كانت ردّة فعلها حقيقيّة. عادةً، لا يتمّ التطرّق إلى هذه الأمور، كأننا نهين الصلاة.
الناس يحبّون التناقضات. نحن بلد التنوّع والتناقض، ويجب أن ينعكس ذلك في مسلسلاتنا.
-في أيّ مجال تجدين نفسك أكثر: الكتابة أو التمثيل؟
أجد نفسي في الكتابة أكثر من التمثيل. الكتابة أعطتني على الصعد كافة أكثر ممّا أعطاني التمثيل.
الكتابة منحتني أيضًا فرصة أن أصبح اسمًا كبيرًا وأحقّق نجاحًا باهرًا وأكسب محبّة الناس. لم أنل ما أستحقه في التمثيل؛ لعبت أدوارًا كثيرة لكنها لم تكن رئيسة. لن أترك الكتابة التي أعطتني الكثير من كل النواحي.
في الواقع، عندما أكتب، أشعر بأنني أمثّل أيضًا.
-هل كتبتِ دور البطولة لكِ في أحد المسلسلات؟
كلا. ليست لديَّ هذه العقدة. أنا أكتب للممثّلات والممثّلين الآخرين بثقة وحبّ، وأرغب في أن يؤدّوا أفضل الأدوار. تمثيلهم الأدوار التي أكتبها يغمرني بالسعادة.
-في إحدى مقابلاتك السابقة، قلتِ: «لم أتزوّج وكرّستُ وقتي للكتابة»، هل تندمين على هذا القرار؟
كلا، لكنني أعتبر أنني خسرت أمرًا واحدًا في هذه المعادلة هو الولد. إن عدم الزواج لا يعني أن المرء لن يُغرَم أو يُحبّ.
لا أحد يربح كل شيء. الله يهب الإنسان وزنات. دائمًا، تربحين أمرًا ما، وتخسرين أمرًا آخر.
-ما سرّ إبداعك في اللغة العربيّة والكتابة؟
أتميّز بالسهولة في الكلام والوصف؛ أتقن سرد القصّة بطريقة جذابة. كما أنني صقلتُ نفسي بالقراءة.
بالنسبة إلى اللغة العربيّة، لست متضلّعة منها لكنني تعلّمت في مدارسَ عاديّة، وأحسن التعبير والإصغاء.
-من يُلهمك من الكتّاب اللبنانيين والعرب والعالميين؟
أحبّ لغة كتّاب كثيرين، بدءًا بشكسبير الذي أخرج المشاهد من الملحمة والأسطورة ووضعها في أدوار أُعطيت لأناس يشبهوننا وصنع شخصيّات كبيرة مستلهَمة من الأساطير لكنها بشر، مثل هملت وسواها.
أذكر الكتّاب جان جونيه وإيريك إيمانويل وسواهم من الأدباء اللبنانيين مثل الشاعر سعيد عقل والعرب مثل نوال السعداوي.
أحبّ كلمات الرحابنة (أغنياتهم ومسرحيّاتهم)، ولغة الأغاني الكلاسيكيّة مثل تلك التي غنّاها كل من إديت بياف وشارل أزنافور وداليدا. تأثرت بهم، وشعرت بأن الكلمة تعني لي، وآمنت بقدرتها على إحداث التغيير: «الكلمة بتطلّع ناس وبتنزّل ناس». أحيانًا، تُنهي الكلمة أكبر مشكلة في العالم. وأحيانًا أخرى، يُدَمَّر الكون بكلمة واحدة.
لذلك، إن كل حياتي قائمة على هذه الكلمة والحروف التي أصنع منها صورًا وشخصيّات ومجتمعات ومشكلات وحلولًا.
-ما أحلامك؟
أحلم بأن أكون سعيدة وأُسعد الآخرين.
حلمت بأمور كثيرة أبصرت النور؛ منها القدرة على إيصال كلمتي وموهبتي للناس، وهذا حلم كبير حقّقته. حتى الساعة، لاقت كل أعمالي استحسان المشاهدين. لذلك، أشعر بأن يد الله معي دومًا.
على الرغم من كل المصائب في البلد، أودّ العيش فيه بكرامة حتى اللحظة الأخيرة، وأرغب في أن أكمل ما أقوم به من دون التنازل عن أيّ شيء.
-ما جديدك؟
أكتب مسلسلًا لرمضان المقبل مع شركة الصبّاح، ومسلسلًا آخر من 30 حلقة مع كارين رزق الله للمؤسسة اللبنانيّة للإرسال. منذ حوالى سنة، أدير ورش عمل للكتابة لأنني أشعر بضرورة أن يكون هناك عدد كبير من الكتّاب في لبنان. لا يمكنني أن أعلّم الآخرين أن يصبحوا كتّابًا لكنني أستطيع نقل تجربتي إليهم. أحاول إفادتهم بما تعلّمته، لربّما برز منهم كتّاب جدد لإكمال ما بدأناه.
-ما رأيك بكتابات الدراما الحاليّة، ولا سيّما مسلسلات رمضان التي تُستخدم فيها أحيانًا كلمات نابية أو لغة الشارع التي تتحوّل إلى تراند، مثل كتابات ندين جابر؟
بالنسبة إليّ، النصّ والمفردات التي تُقال في المسلسلات تتبع الشخصيّات. لا يمكن للكاتب أن يجعل أحاديث شخصيّاته السيّئة شبيهة بكلام الفلاسفة.
إذا كانت الشخصيّات شريرة، فإنّ الكاتب مجبر على كتابة الأدوار وفقًا لسلوكها.
لقد تغيّرت طريقة التعاطي مع بعضنا بعضًا بسبب السوشيل ميديا، فضلًا عن الذكاء الاصطناعي الذي يبدّل الوقائع.
ما كتبته ندين جابر يعبّر عن الشخصيّات بشكل طبيعي وحقيقي. لذلك، سمعنا كلامًا نابيًا على لسان الممثّلين. شخصيًّا، لا أعارض استخدامها إذا كانت في مكانها المناسب.
في المقابل، أرى وجوب عودة جميع الكتّاب إلى كتابة المسلسلات الإنسانيّة والعاطفيّة والابتعاد عن أجواء العصابات والجرائم والمخدّرات.
ربما علينا أن نكتب مسلسلات تريح الناس وتعيد إليهم الابتسامة والرومانسيّة.
-في معظم الأحيان، تختارين النهايات الجميلة في مسلسلاتك. هل تفضّلينها بدلًا من النهايات الحزينة أو المفتوحة؟
بما أن النهاية والحلّ في يد الكاتب، «حلو يفشّ خلق العالم». قد يضطر الكاتب إلى اختيار نهاية سيّئة، وفقًا لطبيعة الشخصيّات ومجريات الأحداث. يجب ألا تكون النهاية السعيدة غير منطقيّة أو متوَقَّعَة.
-كنتِ مديرة «ستار أكاديمي» لثلاثة مواسم، كيف تصفين هذه التجربة؟
أحبّ جدًّا هذه التجربة. ألهمني تلاميذ «ستار أكاديمي» لأنني أصغيت إلى قصصهم، فبتُّ أعرف كيفيّة التواصل مع الشباب العرب، وبنيت صداقات جميلة معهم.
-في النهاية، علامَ تشكرين الربّ؟
أشكره على كل شيء: أحمده لأنه اختارني لأجيء إلى هذه الدنيا وخلقني في كنف عائلة رائعة وعاطفيّة، وما زلنا متّحدين حتى الساعة.
أرفع له الشكر على الصحّة والموهبة التي منحني إيّاها. أشكره على الإنسانيّة التي وضعها فيَّ، وعلى كل يوم جديد يمنحني إيّاه، وأقول له: «لتكن مشيئتك!».