أبصر يوسف بن جرجس كسّاب النور في آذار من العام 1808، ونشأ في بيئة جبليّة زراعيّة، وترعرع في حردين، البلدة التي تضمّ ثلاثين ديرًا وكنيسة، في جوّ عابق بالتقوى والفضيلة ومخافة الله.
ساعد يوسف والده في زراعة الأرض ورعاية الماشية، وواظب على الصلاة في الكنائس والمحابس حتى بلوغه العشرين من عمره حين سمع صوت الربّ يناديه إلى تكريس ذاته له.
دخل يوسف الدير والتزم في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، متّخذًا اسم نعمة الله، وكان قدوة ومثالًا أمام الرهبان، وتبع النهج النسكيّ الذي وضعه مار مارون…
كان راهبًا ثمّ معلّمًا للإخوة ثم مدبّرًا في الرهبانيّة يحافظ على القانون، ويتوخّى الحكم السليم، متبنّيًا الموقف الحازم.
تمسّك بالروحانيّة المارونيّة التي كانت تقوم على العناصر النسكيّة أي الصلاة والصوم والتقشّف والاتحاد بالله والعمل في الأرض، والعناصر الرسوليّة أي الانفتاح والمحبّة والثقافة.
لبس المسح في حياته الرهبانيّة، وعاش الصوم والسهر، وأكسبه نهجه النسكيّ فضائل الصلاة والتواضع والصبر.
وقد اتّبع القديس شربل النهج عينه في المحبسة متأثّرًا بالحرديني، مرشده ومعلّمه الذي عاش النهج النسكي في قلب الجماعة الرهبانيّة، متساميًا في حياة القداسة، فضاهى كبار النساك…
انتقل الحرديني إلى الحياة الأبديّة في 14 كانون الأوّل 1858، وأعلنت الكنيسة قداسته في 16 أيّار 2004.
معلّمٌ بارع في مدرسة القداسة
إن المعلّم القديس نعمة الله الحرديني الذي اعتبر أن الحياة في الجماعة “استشهاد دائم”، وتخلٍّ عن الذات في سبيل الجماعة، وعاش الاتحاد بالله عبر الصلاة المتواصلة وساعات السجود الطويلة التي كان يكلّلها بالقداس، يدعونا اليوم إلى الدخول في مدرسة القداسة في الكنيسة، والشهادة للكلمة، والصلاة، والصوم، والتأمل، مؤكدًا لنا أنه إلى جانبنا، وأن المهم يكمن في ألا يتزعزع إيماننا، بل علينا التمسّك بالرجاء، مهما اشتدّت الأزمات، وحاصرتنا الأوبئة، ولا سيّما في ظل تفشّي فيروس كورونا.