آمال شعيا
في رحلة الإبحار في حياة المعلّم الأهمّ في العصور الوسطى، وهو القدّيس الفيلسوف واللاهوتيّ توما الأكويني، نتساءل: هل هناك من نفس لا تشتاق إلى اكتشاف سرّ حكمته المنجذبة صوب كمال المعرفة وحبّ المسيح؟ أوليس هو من اكتنز العلوم والمعرفة، وعاش التصوّف، معانقًا اللّه بعقله وقلبه وروحه حتّى النبض الأخير؟
اعتُبِرَ توما الأكويني أحد أبرز اللاهوتيّين والفلاسفة في الكنيسة الكاثوليكيّة، وحُظي باحترام جميع الكنائس، بما فيها البروتستانتيّة، فلُقّب بـ”المعلّم الجامع”. كما اكتست الرّهبنة “الدومينيكانيّة” بريقًا جديدًا، في خلال حبريّة البابا بندكتوس الخامس عشر، وأقرّت الكنيسة الكاثوليكيّة بأنّ تعاليم الأكويني هي تعاليمها، وبأنّه العالم الذي كُرّم بمديح خاصّ، وأنّه من كبار الكهنة باعتباره سيّد المدارس الكاثوليكيّة وراعيها. ومن ثمّ، وجد الخيوط الرابطة بين فلسفة أرسطو والإيمان المسيحي، معتمدًا أسلوبًا منطقيًّا في ترتيب أفكاره ونقل آرائه.
وتميّز الأكويني بوداعته، إذ كان ينشد التواضع في حياته الرهبانيّة، وعُرف أيضًا بقوّة الذاكرة. وعلاوة على ذلك، تميّز بترانيمه الإفخارستيّة التي تُرَتَّل في القداس الإلهيّ في الكنيسة الكاثوليكيّة.
نغرف من فيض نعم هذا المعلّم الحكيم، ويبقى الكثير كي ندركه، فهو أنموذج لمن يدرّسون الكهنوت، ولمن يرغبون في بلوغ المعرفة الحقيقيّة.
لنُصلِّ مع توما الأكويني، وهو يسأل أمّنا مريم العذراء في كلماته: “إنّي أسلّم ذاتي إلى رأفتك، مستودعًا نفسي وجسدي وأفكاري وأعمالي وحياتي وموتي، فأعينيني يا سيّدتي، واستمدّي لي الحبّ الحقيقيّ الكامل، الذي أحبّ به، من كلّ قلبي ابنك الحبيب، يسوع المسيح سيّدي، وبعد حبّي له، أحبّك أنت، يا سلطانتي فوق الأشياء كلّها”…
يا أمّنا مريم، بصلاتك معنا، ليزرع الربّ في عقولنا وقلوبنا حكمة المعرفة ونعمة الإيمان، حتّى ندرك عن يقين غاية وجودنا الأسمى، وهي البحث عن وجهه، فهو كمال الحبّ الحقيقيّ ونبع كلّ الحقائق…