آمال شعيا
إنّ حياة القدّيس أنطونيوس الكبير مزدانة بالكثير من الفضائل الروحيّة، ما يدعوك إلى تأمّلها ومحاولة الغرف من فيضها العميق. عندئذٍ، ستستوقفك أولى بذور اشتعالها عند النظر إلى الطفل أنطونيوس، وهو يستمع بقلبه وعقله إلى الكتب المقدّسة، ومن ثمّ يحفظها عن ظهر قلب لأنّه لم يكن يجيد القراءة والكتابة. وبعدها، تشتعل أكثر نيران فضائله لتتجسّد هذه المرّة، حين شدّه صوت الربّ يسوع في أثناء مشاركته في القدّاس الإلهيّ، وهو يخاطب الشاب الغني، في إنجيله المقدّس، قائلًا له: “إن أردت أن تكون كاملًا، فاذهب وبع أملاكك، وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني” (مت 19: 21).
لامس هذا الكلام كيان أنطونيوس حتّى شعر حينها بأنّه موجّه إليه، وبعد وفاة والديه، أبصر في الصميم أنّ اللحظة دنت كي يعمل بوصيّة الربّ، فراح واقتسم الميراث مع شقيقته. وبعدها، قام بتوزيع حصّته على الفقراء وبيوت الأيتام، معلنًا بذلك فضيلة التخلّي عن كلّ شيء من أجل الحصول على الميراث الحقيقيّ.
انطلق القدّيس أنطونيوس إلى البرّيّة لكي يبدأ حياته النسكيّة فيها، متسلّحًا بدرع الإيمان القويّ، فراح يقرأ في كتاب الطبيعة المفتوح أمام عينيه، جماليّات اللّه وسرّه المعشّش في كلّ معالمها. ونمضي بعدها مع فضائله لنشهده وهو يبعث في نفوس تلاميذه قيمة التسلّح بنعمة التواضع، فهو مفتاح الملكوت، ومن ثمّ العمل على احتقار الكبرياء لأنّه من صنع الشرّير. ونصل أخيرًا إلى الفضيلة التي اعتبرها القدّيس أنطونيوس سيّدة كلّ الفضائل، وهي التحلّي بالحكمة، فعندما سُئل مرّة عن كيفيّة بلوغ الكمال الحقيقيّ، أجاب قائلًا: “للبلوغ سريعًا إلى الكمال المسيحيّ، افتكر أن تبدأ اليوم بخدمة اللّه، وافتكر أنّ هذا اليوم قد يكون الأخير من حياتك. إذا جرّبك العدوّ، فتذكّر أنّ الشيطان لا يقدر البتّة أن ينتصر على الصلاة والصوم ومحبّة يسوع الحارّة”.
يا أيّها القدّيس أنطونيوس الكبير، في يوم عيدك، لنُصلِّ معًا، ونتعلّم منك أهميّة تحصين الذات بالفضائل الروحيّة، فنحتقر المجد الباطل، ونصرخ معًا، وكلّنا ايمان: المجد لملك المجد يسوع المسيح، هلّلويا!