البابا فرنسيس
إن القداسة ليست برنامج جهود وتنازلات، وإنما هي أوّلًا خبرة أن نكون محبوبين من الله وأن ننال مجّانًا محبّته ورحمته. هذه الهبة الإلهيّة تجعلنا منفتحين على الامتنان، وتسمح لنا بأن نختبر فرحًا عظيمًا، ليس مجرّد شعور لحظة أو تفاؤل بشري بسيط، وإنما اليقين بقدرتنا على مواجهة كل شيء بالنعمة والشجاعة اللتين تأتيان من الله. من دون هذا الفرح، يقتصر الإيمان على مجرّد ممارسة قمعيّة وحزينة، ولكن المرء لا يصبح قديسًا بـ«خطم طويل»، وإنما يتطلّب الأمر قلبًا سعيدًا ومنفتحًا على الرجاء. وعن هذه القداسة الغنيّة بروح الدعابة، يعطينا المثال الطوباوي الجديد يوحنا بولس الأوّل، ويشكّل الطوباوي كارلو أكوتيس مثال الفرح المسيحي للأطفال والشباب. ويبنينا على الدوام بتناقضه الإنجيلي «الفرح الكامل» للقديس فرنسيس الأسيزي.
تزهر القداسة من الحياة الملموسة للجماعات المسيحيّة. فالقديسون لا يأتون من «عالم موازٍ»، وإنما هم مؤمنون ينتمون إلى شعب الله الأمين ويدخلون في الحياة اليوميّة المكوَّنة من العائلة والدراسة والعمل والحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة. وفي كل هذه السياقات، يسير القديس ويعمل من دون خوف أو عوائق، ويحقّق إرادة الله في كل الظروف. وبالتالي، من الأهميّة بمكان أن تكون كل كنيسة خاصّة متنبّهة لكي تفهم أمثلة الحياة المسيحيّة التي نضجت داخل شعب الله الذي لطالما كان لديه «حسٌّ مميّز» للتعرّف على نماذج القداسة هذه، شهود الإنجيل المدهشين. لذلك، من الضروري أن تؤخذ بعين الاعتبار موافقة الناس حول هذه الشخصيّات المسيحيّة النموذجيّة. إن المؤمنين، في الواقع، قد وُهِبوا بالنعمة الإلهيّة فطنة روحيّة لكي يحدّدوا ويعترفوا بالممارسة البطوليّة للفضائل المسيحيّة في حياة بعض المُعَمَّدين. إن الاعتراف بالقداسة لا يأتي في المقام الأوّل من التسلسل الهرمي وإنما من المؤمنين لأنَّ شعب الله، بمختلف مكوّناته، هو رائد الاعتراف بقداسة شخص ما، أي الرأي العام والمنتشر بين المؤمنين حول سلامة حياة شخص يُنْظَر إليه كشاهد للمسيح والتطويبات الإنجيليّة.
إن القديسين هم لآلئ ثمينة، إنهم أحياء وآنيّون على الدوام، ولا يفقدون أبدًا قيمتهم لأنهم يمثّلون تفسيرًا رائعًا للإنجيل. وحياتهم هي مثل تعليم مسيحي مصوّر، وإيضاح مصوّر للبشرى التي حملها يسوع للبشريّة…
المصدر: فاتيكان نيوز
مقتطفات من كلمة البابا فرنسيس في مؤتمر «القداسة اليوم» (تشرين الأوّل 2022)