الخوري شربل شلالا
ننتظر عيد القديسة بربارة بفرح كبير لما يحمله من عادات وتقاليد شعبيّة تتضمّن معاني جميلة تساعد المؤمن والمؤمنة على عيش روحانيّة هذا العيد. من بين هذه العادات التنكّر.
اضطرّت القديسة بربارة للتنكّر كي تهرب من أبيها الذي أجبرها على عبادة الأوثان والتخلّي عن إيمانها المسيحي. ويُقال إنّ الأقنعة كانت ترمز أيضًا إلى الجنود الذين جرّوا القديسة بربارة في الشوارع قبل إعدامها. ويقال أيضًا إنّ بربارة طلبت من الشبّان والشابات أن يتنكّروا كي تتمكّن من الهرب.
السؤال المطروح: لماذا نحن اليوم في علاقاتنا الإنسانيّة نفضّل أن نلبس الأقنعة؟ هل نريد أن نظهر عكس ما نحن عليه؟ هل نخاف أن نكون على طبيعتنا مهما كانت ضعيفة؟
أرادت بربارة الابتعاد عن أبيها كي تعيش حياتها الروحيّة. تنكّرت كي تتمكّن من التحرّر من الظلم والتخلّص من عبادة الأوثان. كان أبوها يريدها أن تكذب على ذاتها وتقتنع أن الحقيقة هي في التسليم لعبادة الأوثان. وصلت بربارة في مسيرتها الروحيّة إلى قناعة جوهريّة: المعلّم الوحيد هو يسوع المسيح وما من فرح حقيقي إلا معه وهو الذي يقبلنا كما نحن من دون أقنعة مزيّفة لأنّه لا ينظر إلينا كعبيد بل كأبناء وبنات للآب السماوي قادرين بحرّيّة أن ندخل في علاقة بنويّة صادقة. لم تتنكّر بربارة لأنّها خائفة من الحقيقة، فهي عرفت أنّ من له يسوع له كلّ شيء وإذا كان الله معها فمن عليها، بل لتعيش فرح الإنجيل، لأنّ أباها غير مستعد بعد لتقبّل الحقيقة ويريد أن يمنعها من عيش فرح اللقاء مع من هو الطريق والحقّ والحياة.
أقنعتنا اليوم تغطّي حقيقتنا لأنّنا نعتبرها مزعجة ولا نريد دائمًا أن نكون صادقين مع ذواتنا ونقبل ضعفنا ونناضل من أجل مبادئنا. في المقابل، نريد أن نُظهر للآخرين ما يرغبون برؤيته ويرضون عليه كي نبقى ضمن الحظيرة، فنعيش بأمان ولو كنّا مدركين أنّه أمان مزيّف. لم تتنكّر بربارة لأنّها تريد أن تطفئ نار الحقّ والحرّيّة، بل لأنّها تريد أن تواجه جهل الآخرين وعماهم وكبرياءهم. هذا لا يعني أنّها لم تكن قادرة على المواجهة. فعندما حان الوقت كانت حاضرة لإعطاء ذاتها بكلّ حرّيّة.
أقنعتنا اليوم تطمس براءاتنا وبساطتنا وتجعلنا نلبس أزياء مصطنعة مع أنّنا في المعموديّة قد لبسنا المسيح. أقنعتنا اليوم توفّر لنا العلاقات الاجتماعيّة السريعة والعابرة وراحة البال الآنيّة وتبعدنا عن “وجعة الراس” المتأتّية من رفض البعض للحقيقة. ولكن هل هذا ما نريده بالفعل؟
عيدٌ مبارك.